تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الخاء مع الطاء

صفحة 230 - الجزء 10

  وقيل: الخَبْطُ: كلّ سَيْرٍ على غَيْرِ هُدًى، أَو على غيْرِ جَادَّةٍ.

  ومِنَ المَجَاز: خَبَطَ الشَّيْطَانُ فُلاناً، إِذا مَسَّهُ بأَذًى فأَفْسَدَه وخَبَلَه، كتَخَبَّطَهُ.

  وفي حَدِيثِ الدُّعَاءِ: «وأَعُوذُ بك أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ» أَي يَصْرَعَني وَيَلْعَبَ بِي.

  ومن المَجَازِ: خَبَطَ زَيْداً، إِذا سَأَلَه المَعْرُوفَ من غَيْرِ آصِرَة، على فَاعِلَةٍ، وهو الرَّحِمُ والقَرَابةُ، كما تَقَدَّم، كاخْتَبَطَهُ، وهذِه عن ابنِ بَرِّيّ. وقال ابنُ فَارِسٍ: الأَصْلُ فيه أَنَّ السّارِيَ إِليه أَو السَّائرَ لا بُدَّ من أَنْ يَخْتَبِطَ الأَرْضَ، ثمّ اخْتُصِرَ الكَلامُ فقِيلَ للآتِي طَالِباً جَدْوَى: مُخْتَبِطٌ، فخَبَطَهُ زَيْدٌ المَسْئُولُ بخَيْرٍ: أَعْطَاهُ. وقال أَبو زَيْدٍ: خَبَطْت الرَّجُلَ خَبْطاً: وَصَلْتَه. وشَاهِدُ الخَبْطِ بمَعْنَى السُّؤالِ قولُ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى يَمْدَحُ هَرِمَ بنَ سِنَانٍ:

  ولَيْسَ مانِعَ ذِي قُرْبَى ولا رَحِمٍ ... يَوْماً ولا مُعْدِماً مِنْ خَابِطٍ وَرَقَا⁣(⁣١)

  وأَمّا شاهِدُ الاخْتِبَاطِ بمَعْنَى طَلَبِ المَعْرُوفِ، فقَوْلُ الشّاعِرِ:

  ومُخْتَبِطٍ لمْ يَلْقَ من دُونِنَا كُفًى ... وذَاتِ رَضِيعٍ لم يُنِمْهَا رَضِيعُهَا

  وقَوْلُ لَبِيدٍ:

  لِيَبْكِ على النُّعْمَانِ شَرْبٌ وقَيْنَةٌ ... ومُخْتَبِطَاتٌ كالسَّعَالِى أَراملُ

  ومِنْ أَبْيَاتِ الشَّوَاهِد:

  لِيَبْكِ يَزِيدَ ضَارِعٌ لخُصُومَة ... ومُخْتَبِطٌ مّما تُطِيح الطَّوائحُ

  كُلُّ ذلِكَ مُسْتَعَارٌ من خَابِطِ الوَرَقِ

  وخَبَط فُلانٌ: قَامَ، هكَذَا في النُّسَخِ، وهو تصحيفٌ، صوابُه: «نَامَ»، بالنُّونِ، فقد قال أَبو عُبَيْد: خَبَطَ: مثلُ هَبغَ، إِذا نامَ.

  وخَبَطَ البَعِيرَ خَبْطاً، إِذا وَسَمَهُ بالخِبَاطِ، بالكَسْرِ، كما سَيَأْتِي قَرِيباً، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

  وخَبَطَ فُلانٌ: طَرَحَ نَفْسَه حَيْثُ كَانَ لِيَنَام، كذا في الصّحاحِ، وفي اللِّسَانِ: حيثُ كانَ، ونامَ، وأَنْشَدَ لدبَّاقٍ⁣(⁣٢) الدُّبَيْرِيّ:

  قَوْدَاءُ تَهْدِي قُلُصاً مَمَارِطاً ... يَشْدَخْنَ باللَّيْلِ الشُّجَاعَ الخَابِطَا

  المَمَارِطُ: السِّرَاعُ، وَاحِدها، مِمْرَطَةٌ.

  وخَبَطَ فُلانٌ فُلاناً، إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ من غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بَيْنَهُمَا، كذا في الصّحاحِ، وهو مَجازٌ، وزاد غيرُه: ولا وَسِيلَةَ ولا قَرَابَةَ.

  قلتُ: وهو بعَيْنِه: خَبَطَه بخَيْرٍ: أَعْطَاهُ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لعَلَقَمَةَ بن عَبَدَةَ يَمدَحُ الحارِثَ بن أَبِي شَمِرٍ، ويَسْتَعْطِفُه لأَخِيهِ شَأْسٍ:

  وفي كُلِّ حَيٍّ قد خَبَطْتَ بنِعْمَةٍ ... فحُقَّ لشَأْسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ⁣(⁣٣)

  فَقَالَ الحارِثُ: نَعَمْ وأَذْنِبَةٌ، وكان قد أَسرَ شَأْسَ بن عَبَدَةَ يَومَ عَيْنِ أُبَاغَ، فَأَطْلَق شَأْساً وسَبْعِينَ أَسِيراً من بَنِي تَمِيمٍ.

  قلتُ: هكَذَا في نُسَخِ الصّحاحِ: «قد خَبَطْت» ووجَدتُ في الهَامِشِ: والأَجْوَدُ أَنْ يُكتب «خَبَطَّ» بغَيْرِ تاءٍ؛ لأَنَّ أَصلَه خَبَطْتَ، فأُدْغِم، فطَرْحُ التّاءِ من الكِتَابَةِ أَجْوَدُ قلتُ: وكَذلِكَ يُرْوَى أَيْضاً في اللّسَان، ولو قال: «خَبَتَّ» يُرِيدُ «خَبَطْتَ» لكان أَقْيَسَ اللُّغَتَيْن؛ لأَنَّ هذه التَّاءَ ليسَتْ مُتَّصِلَةً بما قَبْلَها اتّصالَ تاءِ افْتَعَلْتَ بمثَالِهَا الذي هي فيه، ولكِنَّه شَبَّه تاءَ خَبَطْت بتاءِ افْتَعَل، فقَلَبَهَا طاءً؛ لوقُوعِ الطّاءِ قَبْلَهَا، كقوله: اطَّرَد، واطَّلَعَ. قال شيخُنَا: وأَرادَ بقَوْلِه: «في كُلّ حَيٍّ» أَنَّ النّابِغَةَ كانَ كَلَّمَه في أَسارَى بنِي أَسَدٍ، وكانُوا نَيّفاً وثَمانِين، فأَطْلَقَهم. واستعارَ الذَّنُوبَ لنَصِيبِه من الحارِثِ.

  وفَرَسٌ خَبُوطٌ وخَبِيطٌ: يَخْبِطُ الأَرْضَ برِجْلَيْهِ، كما في العَيْن، وفي التَّهْذِيب: بِيَدَيْه.


(١) رواية عجزه في التهذيب واللسان:

يوماً ولا خابطاً من ماله ورقا

والمثبت رواية الديوان.

(٢) في اللسان ط دار المعارف مصر: أبّاق الدبيري.

(٣) في الأساس نسبه لعمرو بن شأس يخاطب الملك.