فصل الفاء مع الطاء
  هكَذا هو في الصّحاحِ، وفي العُبَابِ الشّطْرُ الثّانِي:
  إِنَّ الرَّحِيلَ رَهِينُ أَنْ لا تَعْذُلَا(١)
  قال: ويروَى:
  رَيْثَكُمَا ... أَوْ يَسْبِق الإِفراطُ سيْباً مُقْبِلَا
  وأَفْرَطَهُ أَي المَزَادَ: مَلأَه حتَّى أَسالَ الماءَ.
  أَو أَفْرَط الحَوْضَ والإِنَاءَ، إِذا مَلأَهُ حَتَّى فاضَ، قال كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ، ¥:
  تَنْفِي الرِّيَاحُ القَذَى عنهُ وأَفْرَطَه ... من صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٌ يَعَالِيلُ
  ويُرْوَى: «تَجْلُو الرِّيَاحُ». ورَوَى الأَصْمَعِيُّ: «من نَوْءِ سَارِيَةٍ».
  ويُقَال: غَدِيرٌ مُفْرَطٌ، أَي ملْآنُ، قالَ سَاعِدَةُ الهُذَلِيُّ يَصِفُ مُشْتَارَ العَسَلِ:
  فأَزَالَ نَاصِحَهَا بأَبْيَضَ مُفْرَطٍ ... مِن مَاءِ أَلْهَابٍ بهِنَّ التَّأْلَبُ(٢)
  أَي مَزَجَهَا بماءِ غَدِيرٍ مَمْلُوءٍ، وقال آخَرُ:
  بَجَّ(٣) المَزَادِ مُفْرَطاً تَوْكِيرَا
  وأَنْشَدَ إِبْرَاهِيمُ بنُ إِسْحَاقَ الحَرْبِيُّ:
  علَى جانِبَيْ حَائرٍ مُفْرَطٍ ... ببَرْثٍ تَبَوَّأْتُه مُعْشِبِ
  وقالَ أَبُو وَجْزَةَ:
  لاعٍ يَكَادُ خَفِيُّ الزَّجْرِ يُفْرِطُه ... مُسْتَرْفِعٍ لسُرَى المَوْماةِ هَيّاجِ
  وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ:
  يُرَجِّعُ بَيْنَ خُرْمٍ مُفْرَطاتٍ ... صَوَافٍ لم يُكَدِّرْهَا الدِّلاءُ
  وأَنْشَده ابنُ دُرَيْدٍ أَيضاً هكذا قال، والخُرْم: غُدُرٌ يَنخَرِمُ بعضُها إِلى بَعْضٍ.
  وأَفْرَطَ الأَمْرَ، إِذا نَسِيَه، فهو مُفْرَطٌ، أَي مَنْسِيٌّ وبه فَسَّرَ مُجَاهِدٌ قولَه تَعَالَى: {وَأَنَّهُمْ} مُفْرَطُونَ(٤) أَي مَنْسِيُّون. وقال الفَرّاءُ: منسيوُّن في النّارِ، قال: والعَرَبُ تَقُول: أَفْرَطْتُ مِنْهُمْ نَاساً أَي، خَلَّفْتُهُم ونَسَيتُهم.
  وأَفْرَطَ عليه، ونَصُّ ابنِ القَطّاعِ: على البَعِيرِ، إِذا حَمَّلَه ما لا يُطِيقُ، وكلُّ ما جاوَزَ الحَدَّ والقَدْرَ فهو مُفْرِطٌ. يقال: طُولٌ مُفْرِطٌ، وقِصَرٌ مُفْرِطٌ. والاسمُ: الفَرْطُ، بالسُّكُونِ، وقد ذَكَرَه المُصَنِّفُ آنِفاً، ورَوَى زَاذَانُ عَنْ عَلِيٍّ ¥ أَنَّه قال: «مَثَلِي ومَثَلُكُم كَمَثَلِ عِيسِى ~، أَحَبَّته طائفةٌ فأَفْرَطُوا في حُبِّه فهَلَكُوا، وأَبْغَضَته طائِفَةٌ فأَفْرَطُوا في بُغْضِهِ فهَلَكُوا».
  وأَفْرَطَ الرَّجلُ: أَعْجَلَ بالأَمْرِ. وفي الأَمْرِ: تَقَدَّم قبل التَّثَبُّت.
  ومن المَجَازِ: أَفْرَطَ السَّحَابُ بالوَسْمِيِّ، إِذا عَجَّلَتْ به والسَّحَابَةُ تُفْرِطُ الماءَ في أَوَّلِ الوَسْمِيِّ: أَي تُعَجِّلُه وتُقَدِّمُه.
  وأَفْرَطَ بيَدِه إِلى سَيْفِه لَيِسْتَلَّهُ: بَادَرَ، عن ابْنِ دُرَيْدٍ.
  وقال ابنُ الأَعْرِابِيِّ: أَفْرَط، إِذا أَرْسَلَ رَسُولاً مُجَرَّداً خاصًّا في حَوَائِجِهِ. قلتُ: وهو مَعْنًى وَاحِدٌ فَرَّقَه المُصَنِّف في ثَلاثِ مَوَاضِعَ. فَرَطَ وفَرَّطَ وأَفْرَط، ولَوْ قالَ: كفرَّط وأَفْرَطَ كان فيه غَنَاءٌ عن هذا التَّطْوِيلِ، مع أَنَّ الأَوَّلَ فيه نَظرٌ.
  ويُقَال: تَفارَطَتْهُ الهُمُومُ والأُمُورُ، أَي أَصَابَتْه في الفَرْطِ، أَي الحِينِ، وفي العُبَابِ: أَي لا تُصِيبُه إِلاّ في الفَرْطِ.
  أَو تَفَارَطَتْه: تَسَابَقَتْ إِلَيْه، وهو مِنْ قَوْلِهِم: تَفَارَطَ فُلانٌ، إِذا سَبَقَ وتَسَرَّعَ، قال بَشْرُ بنُ أَبِي خَازمٍ:
  يُنَازِعْنَ الأَعِنَّة مُصْغِيَاتٍ ... كما يَتَفَارَطُ الثِّمَدَ الحَمَامُ(٥)
(١) وهي رواية المفضليات.
(٢) ديوان الهذليين ١/ ١٨٢ وفيه: عليه التألب بدل بهن التألب. شعر ساعدة بن جؤية.
(٣) في ديوان الهذليين ١/ ١٨٢ ثَجَّ المزادِ.
(٤) سورة النحل الآية ٦٢.
(٥) رواية المفضليات:
يبارين الأسنة مصغيات ... ويروى الحيامُ بدل الحمامُ