[بيع]:
  فإِنَّهُ مِثْلُ الأَوَّل في النَّهْيِ، وسَوَاءٌ كانا قَد تَعَاقَدَا على المَبِيع، أَو تَسَاوَمَا وقَارَبَا الانْعِقَادِ ولَمْ يَبْعق إِلَّا العَقْد.
  فعَلَى الأَوّلِ يَكُونُ البَيْعُ بمَعْنَى الشِّرَاءِ، تَقُولُ: بِعْتُ الشَّيْءَ بمَعْنَى اشْتَرَيْتُه، وهو اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ. وعَلَى الثّانِي يَكُونُ البَيْعُ عَلَى ظَاهِرِهِ.
  قُلْتُ: وقال أَبُو عُبَيْدٍ: ولَيْسَ عِنْدي لِلْحَدِيث وَجْهٌ غَيْرُ هذا، أَي إِنَّمَا وَقَعَ النَّهْيُ على المُشْتَرِي لا عَلَى البائع.
  قالَ: وكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ وأَبو زَيْدٍ وغَيْرُهُمَا من أَهْلِ العِلْمِ يَقُولُونَ ذلِكَ.
  وقال الأَزْهَرِيُّ: البائِعُ والمُشْتَرِي سَوَاءٌ في الإِثْمِ إِذا باعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَو اشْتَرَى عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُه اسْمُ البائِعِ، مُشْتَرِياً كانَ أَوْ بائعاً، وكُلُّ مَنْهِيٌّ عَنْ ذلِكَ.
  وِهو مَبِيعٌ ومَبْيُوعٌ، مِثْلُ مَخِيطٍ ومَخْيُوطٍ، عَلَى النَّقْصِ والإِتْمَامِ.
  قالَ الخَلِيلُ: الَّذِي حُذِفَ مِنْ مَبيِعٍ وَاوُ مَفْعُولٍ، لأَنَّهَا زائدَةٌ، وهي أَوْلَى بالحَذْفِ.
  وقال الأَخْفَشُ: المَحْذُوقَةُ عَيْنُ الفِعْلِ، لأَنَّهُمْ لَمَّا سَكَّنوا اليَاءَ أَلْقَوْا حَرَكَتَها على الحَرْفِ الَّذِي قَبْلَها فانْضَمَّت، ثُمَّ أَبْدَلُوا من الضَّمَّةِ كَسْرَةَ الياءِ(١) الَّتِي بَعْدَها، ثُمَّ حُذِفَتِ الياءُ وانْقَلَبَتْ الوَاوُ ياءً كما انْقَلَبَتْ وَاوُ مِيزَانٍ لِلْكَسْرَةِ.
  قال المازِنِيُّ: كِلَا القَوْلَيْنِ حَسَنٌ، وقَوْلُ الأَخْفَشِ أَقْيَسُ.
  وِمن المَجَازِ: بَاعَهُ من السُّلْطَانِ، إِذا سَعَى بِهِ إِلَيْهِ ووَشَى به، وهو أَيْ كُلٌّ مِن البائعِ والمُشْتَرِي بائِعٌ، ج: باعَةٌ، وهو قَوْلُ ابْنِ سِيدَه.
  وقال كُرَاع: بَاعَةٌ جَمْعُ بَيِّعٍ، كعَيِّلٍ وعَالَة، وسَيِّدٍ وسَادَة.
  قال ابنُ سِيدَهْ: وعنْدِي أَنَّ كُلَّ ذلِكَ إِنَّمَا هو جَمْعُ فَاعِلٍ، فَأَمَّا فَيْعِلٌ فجَمْعُهُ بالوَاوِ والنُّونِ.
  وفي العُبَابِ: وسَرَقَ أَعْرَابِيٌّ إِبِلاً فأَدْخَلَهَا السُّوقَ فقَالُوا لَهُ: مِن أَيْنَ لَكَ هذه الإِبِلُ؟ فقال:
  تَسْأَلُنِي البَاعَةُ أَيْنَ دَارُهَا ... إِذْ زَعْزَعُوهَا فسَمَتْ أَبْصَارُهَا
  فَقُلْتُ رِجْلِي ويَدِي قَرَارُهَا ... كُلُّ نَارِ العَالَمِينَ نَارُهَا
  قُلْتُ: والبَيْتُ الأَخِيرُ مَثَلٌ لِلْعَرَبِ، وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُفَصَّلاً في «ن ج ر».
  وِالبِيَاعَةُ، بالكَسْرِ: السَّلْعَةُ، تَقُولُ: ما أَرْخَصَ هذِه البِيَاعَةَ. ج: بِيَاعَاتٌ وهي الأَشْيَاءُ الَّتِي يُتَبَايَعُ بها، قالَهُ اللَّيْثُ.
  وِالبَيِّعُ كسَيِّدٍ: البائِعُ والمُشْتَري ومِنْهُ الحَدِيثُ: «البَيِّعَانِ(٢) بالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا». وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «أَنَّهُ ÷ اشْتَرَى مِنْ أَعْرَابِيٍّ حِمْلَ خَبَطٍ، فلَمَّا وَجَبَ البَيْعُ قال لَهُ: اخْتَرْ، فقالَ لَهُ الأَعْرَابِيّ: عَمْرَكَ الله بَيِّعاً» وانْتِصَابُه عَلَى التَّمْيِيزِ.
  وِالبَيِّعُ في قَوْلِ الشَّمَّاخِ يَصِفُ قَوْساً، كما في العُبَابِ، وفي اللِّسَان: في رَجُلٍ بَاعَ قَوْساً:
  فوَافَى بهَا أَهْلَ المَوَاسِمِ فانْبَرَى ... لَهُ بَيِّعٌ يُغْلِي بِهَا السَّوْمَ رَائِزُ
  هو المُسَاوِمُ لا البائعُ ولا المُشْتَرِي.
  قُلْتُ: وقَوْلُ الشَّمّاخِ حُجَّةٌ لأَبِي حَنِيفَةَ |، حَيْثُ يَقُولُ: لا خِيَارَ لِلْمُتبايِعَيْنِ بعد العَقْدِ، لأَنَّهُمَا يُسَمَّيَانِ مُتَبايِعَيْنِ، وهما مُتَسَاوِمَانِ قَبْلَ عَقْدِهِمَا البَيْعَ.
  وقَالَ الشافِعِيُّ ¥: هُمَا مُتَسَاوِمَانِ قَبْلَ عَقْدِ الشِّرَاءِ، فإِذا عُقِدَ البَيْعُ فَهُمَا مُتَبَايِعَانِ، ولا يُسَمَّيَان بَيِّعَيْنِ ولا مُتَبَايِعَيْنِ وهُمَا في السَّوْمِ قَبْلَ العَقْدِ. وقَدْ رَدَّ الأَزْهَرِيُّ عَلَى المُحْتَجِّ بِبَيْتِ الشَّمّاخِ بما هو مَذْكُورٌ في التَّهْذِيبِ(٣).
(١) اللسان: كسرةً للياء التي بعدها.
(٢) الأصل والتهذيب والنهاية، وفي رواية بعضهم: المتبايعان. انظر اللسان.
(٣) نص عبارة الأزهري في التهذيب ٣/ ٢٣٨: قلت: وهذا وهم وتمويه، ويرد ما تأوله هذا المحتج شيئان: أحدهما أن الشماخ قال هذا الشعر بعد ما انعقد البيع بينهما، وتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه. فسمّاه بيّعا بعد ذلك، ولو لم يكونا أتمّا البيع لم يسمه بيعا، وأراد بالبيّع: الذي اشترى، وهذا لا يكون حجة لمن يجعل المتساومين بيّعين ولما ينعقد بينهما البيع.