عملنا في تاج العروس:
  الأَمانة في شرح العبارة بالفَصّ، وأَوردتُ ما زِدْت على المؤلِّف بالنَّص، وراعيت مناسَباتِ مَا ضَمَّنه من لُطف الإِشارة، فَلْيُعَدِّ مَن يَنقُل عن شَرحي هذا عن تلك الأُصول والفروع، وليستغْنِ بالاستضواءِ بدُرِّيِّ بيانه الملموع، فالناقلُ عنه يَمُدّ باعَه ويُطلق لسانَه، ويتنوَّع في نقله عنه لأَنه ينقل عن خِزانَة، والله تعالى يشكر مَنْ له بإِلهام جمعه من منَّة، ويجعل بينه وبين مُحَرِّفي كَلِمِه عَن مَواضعه واقيةً وجُنَّة، وهو المسؤول أَن يُعاملني فيه بفضله وإِحسانه، ويُعينني على إِتمامه بكرمه وامتنانه، فإِنني لم أَقصد سوى حفظ هذه اللغة الشريفة، إِذ عليها مَدار أَحكام الكتاب العزيز والسُّنّة النبويّة، ولأنّ العالِم بغوامضها يعلم ما يوافق فيه النيةِ اللسانُ ويخالف فيه اللسانُ النّية، وقد جمعته في زمنٍ أَهله بغير لغته يفخرون، وصَنعته كما صنع نوح # الفلك وقومه منه يسخرون.
  وسميته:
  تاج العروس من جواهر القاموس.
  وكأني بالعالم المنصِف قد اطّلع عليه فارتضاه، وأَجال فيه نظرة ذي عَلَقٍ فاجتباه، ولم يلتفت إلى حدوث عهده وقربِ ميلاده، لأَنه، إِنما يُستجاد الشيء ويسترذل لجودته ورداءَته في ذاته، لا لِقِدَمِه وحُدوثه، وبالجاهل المُشِطّ قد سَمِع به فسارع إِلى تَمزيق فروته، وتوجيه المَعاب إِليه، ولمَّا يعْرفْ نَبْعَه من غَرَبِه ولا عَجم عُودَه، ولا نَفض تهائمَه وَنُجودَه، والذي غرَّه منه أنّه عَملٌ محدثٌ ولا عملٌ قَديم، وحسبك أَن الأشياءَ تُنتقدُ أَو تُبهرَجُ لأَنها تَلِيدَةٌ أَو طارَفةٌ، ولله درُّ مَن يقول:
  إِذَا رَضِيَتْ عَنّي كِرَامُ عَشِيرَتِي ... فَلَا زال غَضْبَاناً عَلَيَّ لُئامُها
  وأَرجو من الله تعالى أَن يَرفع قدرَ هذا الشرح بمنَّه وفَضْله، وأَن ينفع به كما نَفع بأَصلِه، وأَنَا أَبرأ إِلى الله ø من القُوَّة والحَوْل، وإِياه أَستغفر من الزَّلل في العمل والقَوْل، لا إِله غيره، ولا خَيْرَ إِلا خَيْرُه، وصلى الله على سَيّدِنا محمدٍ وآله وصحبِه وسَلَّم تسليماً كثيراً.