[فزع]:
  عنه، فسَبَقَ النَّاسَ، ورَجَعَ، وقال: لَنْ تُرَاعُوا، لَنْ تُرَاعُوا، ما رَأَيْنَا من شَيْءٍ، وإِنْ وَجَدْناهُ لبَحْراً» أَي استَغَاثُوا واسْتَعْرَضُوا، وظَنُّوا أَنَّ عَدُوًّا أَحاطَ بهِم، فلمّا قالَ لهم النبيُّ ÷: «لَنْ تُرَاعُوا» سَكَن ما بِهِم من الفَزَعِ.
  وِالفَزَعُ أَيضاً: الإِغَاثَةُ، ومنه قَوْلُه ÷ للأَنْصَارِ: «إِنَّكُمْ لَتَكْثُرُونَ عندَ الفَزَعِ، وتَقِلُّونَ عِنْدَ الطَّمَعِ» أَي تَكْثَرُونَ عندَ الإِغَاثَةِ، وقَدْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ أَيْضاً: «عند فَزَعِ النّاسِ إِليْكُم لتُغِيثُوهُم» ضِدٌّ، ومن الأَوّلِ قولُ سَلَامَةَ بنِ جَنْدَلٍ السَّعْدِيِّ:
  كُنَّا إِذا ما أَتانَا صارِخٌ فَزِعٌ ... كانَتْ إِجابَتُنَا قَرْعَ الظَّنابِيبِ(١)
  ويُرْوَى: «كَانَ الصُّرَاخُ له» أَي: مُسْتَغِيثٌ، كذا فَسَّرَه الصّاغَانِيُّ، وقالَ الرّاغِبُ: أَي صَارِخٌ أَصابَهُ فَزَعٌ، قال: ومَنْ فَسَّرَه بالمُسْتَغِيثِ فإِنَّ ذلِكَ تَفْسِيرٌ للمَقْصُودِ من الكَلامِ، لا لِلَفْظِ الفَزِعِ، ومن الثّانِي قَوْلُ الكَلْحَبَةِ(٢):
  وِقُلْتُ لِكَأْسٍ: أَلْجِمِيها فإِنَّنَا ... نَزَلْنَا الكَثِيبَ من زَرُودَ لِنَفْزَعَا(٣)
  أَي لِنُغِيثَ ونُصَرِخَ مَن اسْتَغَاثَ بِنَا. قلتُ: ومِثْلُه للرّاعِي:
  إِذَا مَا فَزِعْنَا أَوْ دُعِينَا لِنَجْدَةٍ ... لبِسْنَا عَليْهِنَّ الحدِيدَ المُسَرَّدَا(٤)
  وقَالَ الشَمّاخُ:
  إِذَا دَعَتْ غَوْثَهَا ضَرَّاتُهَا فَزِعَتْ ... أَطبَاقُ نَيٍّ على الأَثْبَاجِ مَنْضُودِ
  يَقُول: إِذا قَلَّ لبَنُ ضَرَّاتِها، نَصَرَتْهَا الشُّحُومُ الَّتِي على ظُهُورِهَا، وأَغَاثَتْهَا، فأَمَدَّتْهَا باللَّبَنِ. فَزِعَ إِلَيْه، وفَزِعَ مِنْهُ، كفَرِحَ، ولا تَقُل: فَزَعَهُ، أَي كمَنَعَه، قالَ الأَزْهَرِيُّ: والعَرَبُ تَجْعَلُ الفَزَعَ فَرَقاً، وتَجْعَلُه إِغاثَةً للفَزِعِ(٥) المُرَوَّعِ، وتَجْعَلُه اسْتِغاثَةً.
  أَو فَزِعَ إِليْهِم، كفَرِحَ: اسْتَغَاثَهُم، وفَزَعَهُم، كمَنَع وفَرِحَ: أَغاثَهُمْ ونَصَرَهُمْ، كأَفْزَعَهُم، ففِيه ثَلاثُ لُغَاتٍ: فَزَعْتَ القَوْمَ، وفَزِعْتُهُم، وأَفْزَعْتُهُم، كُلُّ ذلِكَ بمَعْنَى أَغْثْتُهُم.
  قالَ ابنُ بَرِّيّ: ممّا يُسْأَلُ عنه، يُقَال: كيفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: فَزِعْتُه بمَعْنَى أَغثْتُه مُتَعَدِّياً، واسمُ الفاعِلِ منه فَزِعٌ، وهذَا إِنّمَا جاءَ في نَحْوِ قَوْلِهم: حَذِرْتُه فأَنَا حَذِرُه، واسْتَشْهَدَ سِيبَوَيْهٌ عليه بقَوْلِه:
  «حَذِرٌ أُمُوراً(٦) ...»
  ورَدُّوهُ عَلِيهِ، وقالُوا: البَيْتُ مَصْنُوعٌ. وقال الجَرْمِيُّ: أَصلُهُ حَذِرْتُ مِنْهُ، فعُدِّيَ بإِسْقَاطِ «منه» قال: وهذا لا يَصِحُّ في فَزِعْتُه - بمَعْنَى أَغَثْتُه - أَنْ يَكُونَ على تَقْدِيرِ مِنْ، وقد يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَزِعٌ مَعْدُولاً عن فَازِعٍ، كما كانَ حَذِرٌ مَعْدُولاً عن حَاذِرٍ، فيَكُون مِثْلَ: سَمِعٍ مَعْدُولاً عن سامِعٍ، فيَتَعَدَّى بما تَعَدَّى سامِعٌ، قالَ: والصَّوابُ في هذَا أَنَّ فَزِعْتُه - بمَعْنَى أَغَثْتُه - بمَعْنَى فَزِعْتُ له، ثمّ أُسْقِطَتِ الَّلامُ: لأَنَّهُ يُقَال: فَزِعْتُه، وفَزِعْتُ له: قالَ: وهذا هو الصَّحِيحُ المُعَوَّلُ عليه.
  أَو فَزِعَ كَفَرِحَ: انْتَصَرَ، وأَفْزَعَه هو: نَصَرَهُ.
  وِفَزِعَ إِلَيْهِ: لَجَأَ، ومنه الحَدِيثُ: «كُنَّا إِذا دَهَمَنا أَمْرٌ فَزِعْنَا: إِليْهِ» أَي لَجَأْنَا إِليْه، واسْتَغَثْنَا به.
  وفي حَدِيثِ الكُسُوفِ: «فَافْزَعُوا إِلى الصَّلاةِ» أَي الجَأوا إِليْهَا، واسْتَغِيثُوا(٧) بِهَا.
  وِفي الحَدِيثِ: «أَنَّه فَزِعَ من نَوْمِهِ مُحْمَرّاً وَجْهُه» أَي: هَبَّ وانْتبَه، يُقَالُ: فَزِعَ مِنْ نَوْمِهِ وأَفْزَعْتُهُ أَنا، أَي نَبَّهْتُه،
(١) ديوانه ص ٢٧٦ وانظر تخريجه فيه. وقوله صارخ هو المغيث وهو أيضاً المستغيث، من الأضداد، انظر الأضداد لابن الانباري ص ٨٠.
(٢) اسمه هبيرة من بني عرين بن يربوع، والكلحبة لقبه.
(٣) الكامل للمبرد ١/ ٤ مع بيت آخر، وروايته:
فقلت لكأسٍ: ألجَميها فانما ... حللت الكثيب من زوود لأفزعا
قوله كأس اسم جاريته، وقبل اسم ابنته، وانما أمرها بإلجام فرسه ليغيث.
(٤) ديوانه ص ٩٠ وانظر تخريجه فيه.
(٥) عن التهذيب وبالأصل «للفزوع».
(٦) من بيتٍ في كتاب سيبويه ١/ ١١٣ وتمامه فيه:
حذر أموراً لا تُخاف وآمنُ ... ما ليس منجيه من الأقدار
ويروى عن اللاحقي أنه قال: سألني سيبويه عن شاهد في تعدي فَعِل فعملت له هذا البيت، انظر الخزانة ٣/ ٤٥٦.
(٧) الأصل والنهاية وفي اللسان: واستعينوا.