فصل الواو مع العين
  وِنَحْنُ وَدَعْنا آلَ عَمِرو بنِ عامِرٍ ... فَرَائِسَ أَطْرَافِ المُثَقَّفَةِ السُّمْرِ
  وقالُوا: لَمْ يُدَعْ ولَمْ يُذَرْ شاذٌّ، والأَعْرَفُ لم يُودَعْ ولَمْ يُوذَرْ، وهو القِيَاسُ وقُرِئَ شاذًّا ما وَدَعَكَ رَبُّكَ وما قَلَى(١)، أَي ما تَرَكَكَ، وهي قِرَاءَةُ عُرْوَةَ ومُقَاتِلٍ، وقرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وأَبُو البَرَهْسَمِ(٢) وابنُ أَبِي عَبْلَةَ ويَزِيدُ النَّحْوِيُّ والباقُونَ بالتَّشْدِيدِ، والمَعْنَى فيهِمَا واحِدٌ وهِي قِرَاءَتُه ÷ فِيمَا رَوَى ابنُ عَبّاسٍ ® عَنْهُ، وجاءَ فِي الحَدِيثِ: «لَيَنْتَهِيَّنَ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِم الجُمُعاتِ أَو لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِن الغَافِلِينَ» رَوَاهُ ابنُ عَبّاسٍ أَيْضاً، وقَالَ اللَّيْثُ: العَرَبُ لا تَقُولُ: ودَعْتُهُ فأَنَا وَادِعٌ، أَي: تَرَكْتُه، ولكِنْ يَقُولُونَ في الغابِرِ: يَدَعُ، وفي الأَمْرِ: دَعْه، وفِي النَّهْيِ لا تَدَعْهُ، وأَنْشَدَ:
  وِكانَ ما قَدَّمُوا لأَنْفُسِهِمْ ... أَكْثَرَ نَفْعاً مِنَ الّذِي وَدَعُوا(٣)
  يَعْنِي تَرَكُوا، وقالَ ابنُ جِنِّي: إِنّمَا هذا عَلَى الضَّرُورَةِ؛ لأَنَّ الشّاعِرَ إِذا اضْطُرَّ جازَ لَهُ أَنْ يَنْطِقَ بما يُنْتِجُهُ القِيَاسُ، وإِنْ لَمْ يَرِدْ بهِ سَماعٌ، وأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي الأَسْوَدِ السّابِقَ، قالَ: وَعَلَيْهِ قراءَةُ «ما وَدَعَكَ» لأَنّ التَّرْكَ ضَرْبٌ مِنَ القِلَى، قال: فهذا أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُعَلَّ باب اسْتَحْوَذَ، واسْتَنْوَقَ الجَمَلُ؛ لأَنَّ اسْتِعْمَالَ وَدَعَ مراجَعَةُ أَصْلٍ، وإِعْلالَ اسْتَحْوَذَ واسْتَنْوَقَ - ونَحْوِهِما مِنَ المُصَحَّحِ - تَرْكُ أَصْلٍ، وبَيْنَ مُرَاجَعَةِ الأُصُولِ وتَرْكِهَا ما لا خَفاءَ بهِ، قالَ شَيْخُنَا - عِنْدَ قَوْلهِ: «وقَدْ أُمِيتَ ماضِيهِ» - قُلْتُ: هي عِبَارَةُ أَئِمَّةِ الصَّرْفِ قاطِبَةً، وأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ، ويُنَافِيه ما يَأْتِي بأَثَرِهِ مِنْ وُقُوعِهِ في الشِّعْرِ، ووُقُوعِ القَراءَةِ، فإِذا ثَبَتَ وُرُودُه - ولو قَلِيلاً - فكَيْفَ يُدَّعَى فِيهِ الإِماتَة؟ قلت: وهذا بعَيْنِه نَصُّ اللَّيْثِ، فإِنّه قالَ: وزَعَمَتِ النَّحْوِيَّةُ أَنَّ العَرَبَ أَماتُوا مَصْدَرَ يَدَعُ ويَذَرُ، واسْتَغْنَوْا عَنْه بتَرْكٍ، والنَّبِيُّ ÷ أَفْصَحُ العَرَبِ، وقد رُوِيَتْ عَنْهُ هذِه الكَلِمَةُ، قالَ ابنُ الأَثِيرِ: وإِنَّمَا يُحْمَلُ قَوْلُهُم عَلَى قِلَّةِ اسْتِعْمَالِه، فهُوَ شاذٌّ في الاسْتِعْمَالِ، صَحِيحٌ فِي القِيَاسِ، وقد جاءَ في غَيْرِ حَدِيثٍ، حَتّى قُرِئَ بهِ قولُه تَعالَى: {ما وَدَّعَكَ} وهذا غايَةُ ما فَتَحَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، فتَبَصَّرْ {وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ}.
  وِوَدْعانُ: ع، قُرْبَ يَنْبُعَ وأَنْشَدَ اللَّيْثُ:
  ببيضِ وَدْعَانَ بَسَاطٌ سِيٌّ(٤)
  وِوَدْعَانُ: عَلَمٌ.
  وَوَدَعَ الثَّوْبَ بالثَّوْبِ، كوَضَعَ، فأَنَا أَدَعُه: صانَهُ عَنِ الغُبَارِ، قالَهُ ابنُ بُزُرْجَ.
  وَمَوْدُوعٌ: عَلَمٌ، وأَيْضاً: اسْمُ فَرَسَ هَرِمِ بنِ ضَمْضَمٍ المُرِّيّ، وكانَ هَرِمٌ قُتِلَ فِي حَرْب داحِس، وفيهِ تَقُولُ نائِحَتُه:
  يا لَهْفَ نَفْسِي لَهْفَةَ المَفْجُوعِ ... أَلَّا أَرَى هَرِماً عَلَى مَوْدُوعِ(٥)
  مِنْ أَجْلِ سَيِّدِنا ومَصْرَعِ جَنْبِه ... عَلِقَ الفُؤادُ بحَنْظَلٍ مَصْدُوعِ
  وِقالَ الكِسائِيّ: يُقَال: أَوْدَعْتُه مالاً، أَي: دَفَعْتُه إِلَيْهِ، ليَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَه.
  قالَ: وأَوْدَعْتُه أَيْضاً، أَيْ: قَبِلْتُ ما أَوْدَعَنِيهِ، أَيْ ما جَعَلَه وَدِيعَةً عِنْدِي، ضِدٌّ، هكَذَا جاءَ به الكِسَائِيُّ في بابِ الأَضدادِ، وأَنْكَرَ الثّانِيَ شَمِرٌ، وقالَ أَبو حَاتِمٍ: لا أَعْرِفُهُ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: إِلّا أَنّه حَكَى(٦) عَنْ بَعْضِهِم: اسْتَوْدَعَنِي فُلانٌ بَعِيرًا.
  فأَبَيْتُ أَنْ أُودِعَهُ، أَي: أَقْبَلَهُ، قالَهُ ابنُ شُمَيْلٍ في كِتَابِ المَنْطِقِ، والكِسَائِيُّ لا يَحْكِي عَنِ العَرَبِ شَيْئاً إِلّا وَقَدْ ضَبَطَهُ وحَفِظَه، وأَنْشَدَ:
  يا ابْنَ أَبِي ويا بُنَيَّ أُمِّيَهْ ... أَوْدَعْتُكَ اللهُ الَّذِي هُوَ حَسْبِيَيهْ
  وِتَوْدِيعُ الثَّوْبِ: أَنْ تَجْعَلَهُ في صِوَانٍ يَصُونُهُ، لا يَصِلُ إِليهِ غُبارٌ ولا رِيحٌ، نَقَلَهُ الأَزْهَرِيُّ.
  وِرَجُلٌ مُتَّدِعٌ، بالإِدْغَامِ: صاحِبُ دَعَةٍ ورَاحَةٍ، كما فِي اللِّسَانِ.
(١) سورة الضحى الآية ٣ وقد أشرنا إلى أن قراءة الجمهور بالتشديد، وكلاهما بمعنى واحد.
(٢) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «أبو إبراهيم».
(٣) البيت لأبي العتاهية.
(٤) للعجاج كما في معجم البلدان «ودعان» وديوانه ص ٦٨.
(٥) البيت في معجم البلدان «مودوع» واعتبره موضعاً في ديار بني مرة بن وبرة بن غطفان.
(٦) يفهم من عبارة التهذيب أن الذي حكى هو شمر وليس بأبي حاتم.