تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الواو مع العين

صفحة 502 - الجزء 11

  وِنَحْنُ وَدَعْنا آلَ عَمِرو بنِ عامِرٍ ... فَرَائِسَ أَطْرَافِ المُثَقَّفَةِ السُّمْرِ

  وقالُوا: لَمْ يُدَعْ ولَمْ يُذَرْ شاذٌّ، والأَعْرَفُ لم يُودَعْ ولَمْ يُوذَرْ، وهو القِيَاسُ وقُرِئَ شاذًّا ما وَدَعَكَ رَبُّكَ وما قَلَى⁣(⁣١)، أَي ما تَرَكَكَ، وهي قِرَاءَةُ عُرْوَةَ ومُقَاتِلٍ، وقرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وأَبُو البَرَهْسَمِ⁣(⁣٢) وابنُ أَبِي عَبْلَةَ ويَزِيدُ النَّحْوِيُّ والباقُونَ بالتَّشْدِيدِ، والمَعْنَى فيهِمَا واحِدٌ وهِي قِرَاءَتُه ÷ فِيمَا رَوَى ابنُ عَبّاسٍ ® عَنْهُ، وجاءَ فِي الحَدِيثِ: «لَيَنْتَهِيَّنَ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِم الجُمُعاتِ أَو لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِن الغَافِلِينَ» رَوَاهُ ابنُ عَبّاسٍ أَيْضاً، وقَالَ اللَّيْثُ: العَرَبُ لا تَقُولُ: ودَعْتُهُ فأَنَا وَادِعٌ، أَي: تَرَكْتُه، ولكِنْ يَقُولُونَ في الغابِرِ: يَدَعُ، وفي الأَمْرِ: دَعْه، وفِي النَّهْيِ لا تَدَعْهُ، وأَنْشَدَ:

  وِكانَ ما قَدَّمُوا لأَنْفُسِهِمْ ... أَكْثَرَ نَفْعاً مِنَ الّذِي وَدَعُوا⁣(⁣٣)

  يَعْنِي تَرَكُوا، وقالَ ابنُ جِنِّي: إِنّمَا هذا عَلَى الضَّرُورَةِ؛ لأَنَّ الشّاعِرَ إِذا اضْطُرَّ جازَ لَهُ أَنْ يَنْطِقَ بما يُنْتِجُهُ القِيَاسُ، وإِنْ لَمْ يَرِدْ بهِ سَماعٌ، وأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي الأَسْوَدِ السّابِقَ، قالَ: وَعَلَيْهِ قراءَةُ «ما وَدَعَكَ» لأَنّ التَّرْكَ ضَرْبٌ مِنَ القِلَى، قال: فهذا أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُعَلَّ باب اسْتَحْوَذَ، واسْتَنْوَقَ الجَمَلُ؛ لأَنَّ اسْتِعْمَالَ وَدَعَ مراجَعَةُ أَصْلٍ، وإِعْلالَ اسْتَحْوَذَ واسْتَنْوَقَ - ونَحْوِهِما مِنَ المُصَحَّحِ - تَرْكُ أَصْلٍ، وبَيْنَ مُرَاجَعَةِ الأُصُولِ وتَرْكِهَا ما لا خَفاءَ بهِ، قالَ شَيْخُنَا - عِنْدَ قَوْلهِ: «وقَدْ أُمِيتَ ماضِيهِ» - قُلْتُ: هي عِبَارَةُ أَئِمَّةِ الصَّرْفِ قاطِبَةً، وأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ، ويُنَافِيه ما يَأْتِي بأَثَرِهِ مِنْ وُقُوعِهِ في الشِّعْرِ، ووُقُوعِ القَراءَةِ، فإِذا ثَبَتَ وُرُودُه - ولو قَلِيلاً - فكَيْفَ يُدَّعَى فِيهِ الإِماتَة؟ قلت: وهذا بعَيْنِه نَصُّ اللَّيْثِ، فإِنّه قالَ: وزَعَمَتِ النَّحْوِيَّةُ أَنَّ العَرَبَ أَماتُوا مَصْدَرَ يَدَعُ ويَذَرُ، واسْتَغْنَوْا عَنْه بتَرْكٍ، والنَّبِيُّ ÷ أَفْصَحُ العَرَبِ، وقد رُوِيَتْ عَنْهُ هذِه الكَلِمَةُ، قالَ ابنُ الأَثِيرِ: وإِنَّمَا يُحْمَلُ قَوْلُهُم عَلَى قِلَّةِ اسْتِعْمَالِه، فهُوَ شاذٌّ في الاسْتِعْمَالِ، صَحِيحٌ فِي القِيَاسِ، وقد جاءَ في غَيْرِ حَدِيثٍ، حَتّى قُرِئَ بهِ قولُه تَعالَى: {ما وَدَّعَكَ} وهذا غايَةُ ما فَتَحَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، فتَبَصَّرْ {وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ}.

  وِوَدْعانُ: ع، قُرْبَ يَنْبُعَ وأَنْشَدَ اللَّيْثُ:

  ببيضِ وَدْعَانَ بَسَاطٌ سِيٌّ⁣(⁣٤)

  وِوَدْعَانُ: عَلَمٌ.

  وَوَدَعَ الثَّوْبَ بالثَّوْبِ، كوَضَعَ، فأَنَا أَدَعُه: صانَهُ عَنِ الغُبَارِ، قالَهُ ابنُ بُزُرْجَ.

  وَمَوْدُوعٌ: عَلَمٌ، وأَيْضاً: اسْمُ فَرَسَ هَرِمِ بنِ ضَمْضَمٍ المُرِّيّ، وكانَ هَرِمٌ قُتِلَ فِي حَرْب داحِس، وفيهِ تَقُولُ نائِحَتُه:

  يا لَهْفَ نَفْسِي لَهْفَةَ المَفْجُوعِ ... أَلَّا أَرَى هَرِماً عَلَى مَوْدُوعِ⁣(⁣٥)

  مِنْ أَجْلِ سَيِّدِنا ومَصْرَعِ جَنْبِه ... عَلِقَ الفُؤادُ بحَنْظَلٍ مَصْدُوعِ

  وِقالَ الكِسائِيّ: يُقَال: أَوْدَعْتُه مالاً، أَي: دَفَعْتُه إِلَيْهِ، ليَكُونَ وَدِيعَةً عِنْدَه.

  قالَ: وأَوْدَعْتُه أَيْضاً، أَيْ: قَبِلْتُ ما أَوْدَعَنِيهِ، أَيْ ما جَعَلَه وَدِيعَةً عِنْدِي، ضِدٌّ، هكَذَا جاءَ به الكِسَائِيُّ في بابِ الأَضدادِ، وأَنْكَرَ الثّانِيَ شَمِرٌ، وقالَ أَبو حَاتِمٍ: لا أَعْرِفُهُ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: إِلّا أَنّه حَكَى⁣(⁣٦) عَنْ بَعْضِهِم: اسْتَوْدَعَنِي فُلانٌ بَعِيرًا.

  فأَبَيْتُ أَنْ أُودِعَهُ، أَي: أَقْبَلَهُ، قالَهُ ابنُ شُمَيْلٍ في كِتَابِ المَنْطِقِ، والكِسَائِيُّ لا يَحْكِي عَنِ العَرَبِ شَيْئاً إِلّا وَقَدْ ضَبَطَهُ وحَفِظَه، وأَنْشَدَ:

  يا ابْنَ أَبِي ويا بُنَيَّ أُمِّيَهْ ... أَوْدَعْتُكَ اللهُ الَّذِي هُوَ حَسْبِيَيهْ

  وِتَوْدِيعُ الثَّوْبِ: أَنْ تَجْعَلَهُ في صِوَانٍ يَصُونُهُ، لا يَصِلُ إِليهِ غُبارٌ ولا رِيحٌ، نَقَلَهُ الأَزْهَرِيُّ.

  وِرَجُلٌ مُتَّدِعٌ، بالإِدْغَامِ: صاحِبُ دَعَةٍ ورَاحَةٍ، كما فِي اللِّسَانِ.


(١) سورة الضحى الآية ٣ وقد أشرنا إلى أن قراءة الجمهور بالتشديد، وكلاهما بمعنى واحد.

(٢) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «أبو إبراهيم».

(٣) البيت لأبي العتاهية.

(٤) للعجاج كما في معجم البلدان «ودعان» وديوانه ص ٦٨.

(٥) البيت في معجم البلدان «مودوع» واعتبره موضعاً في ديار بني مرة بن وبرة بن غطفان.

(٦) يفهم من عبارة التهذيب أن الذي حكى هو شمر وليس بأبي حاتم.