تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الباء مع القاف

صفحة 33 - الجزء 13

  والبُورقُ، بالضمّ الذي يُجْعَل في العَجِين، وهو أَصْنافٌ أَرْبَعَة: مائيٌّ، وجبليٌّ، وأَرْمنيٌّ، ومصْريٌّ، وهو النَّطْرُونُ أَجوَدُه الأَرْمَنيُّ، وقالَ: الإِطْلاقُ يُخَصُّ به، لتَوَلُّدِه بها أَوَّلاً⁣(⁣١)، ويُسَمّى الأَرْمَنيُّ أَيضاً بُورَقَ الصّاغَةِ؛ لأَنَّه يَجْلُو الفِضَّةَ جَيِّداً، والأَغْبَرُ منه يُسمَّى بُورَقَ الخَبّازِينَ، وأَما النَّطْرُونُ فهُوَ الأَحْمَرُ منه، ومنه ماله دُهْنِيّة، ومنه قِطَعٌ رِقاقٌ زُبْدِيَّةٌ، وهذِه إِن كانَتْ خَفِيفَةً صُلْبَةً فهو الإِفْرِيقِيُّ، والمُتَوَلِّدُ بمِصْر أَجْوَدُه مسْحُوقُه يُلْطخُ به البطْنُ قَريباً من نارٍ، فإِنَّه يُخْرجُ الدُّود، ومدُوفا بعَسَلٍ أَو دُهْنِ زَنْبَقٍ تُطْلى به المذاكيرُ فإِنَّه عجِيبُ للباءة كما شاعَ عند الحُكَماءِ عن تَجْرِبَةٍ.

  ومِمَّنْ نُسِبَ إِلى بَيْعِه: أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدِ بنِ عَمْرٍو البُورَقِيُّ، وضَّاعٌ.

  والإِسْتَبْرَقُ بالكسرِ: الدِّيباجُ الغَليظُ أَخْرَجَهُ ابنُ أَبِي حاتِمٍ عن الضَّحّاكِ، كما في الإِتْقان، وهو فارسِيٌّ مُعَرَّبٌ هنا نَقَلَه الجَوهَرِيُّ، هكذا عَلَى أَنَّ الهَمْزةَ والتاءَ والسِّينَ من الزَّوائِدِ، وذَكَرَها أَيضاً في السِّين والرَّاءِ، وذَكَرَها الأَزْهَرِيُّ في خُماسِيِّ القافِ على أَنَّ هَمْزَتَها وَحْدَها زائِدَةٌ، وقال: إِنَّها وأَمْثالَها من الأَلفاظِ حُروفٌ غريبةٌ، وقَعَ فيه وِفاقٌ بين العَرَبِيَّةِ والعَجَميَّةِ، قالَ ابنُ الأَثِير: وهذا عِنْدِي هو الصَّوابُ، ثم اخْتَلَفُوا فيه، فقيلَ: إِنه مُعَرَّب اسْتَرْوَه وهو نَصُّ ابنِ دُرَيْدٍ في الجَمْهَرةِ، في: بابِ ما أُخِذَ من السُّريانِيَّة، ووقَعَ في تَفْسِيرِ الزَّجّاجِ اسْتَفْرَه، وقِيلَ: هو فارِسِيٌّ تَعْرِيبُ اسْتَبْرَه، ومعنى سِتَبْر، واسْتَبْر: الغَليظ مُطْلَقاً، ثُمَّ خُصَّ بغليظِ الدِّيباجِ، فقِيلَ: سِتَبْرَه، واسْتَبْرَه، بتاء النَّقْل، ثم عُرِّبَ بالقافِ بدلَ الهاءِ، وعلى هذا الوجه اقْتَصَرَ الشِّهابُ الخَفاجيُّ في شَرْحِ قولِ البَيْضاوِيّ: هو معرَّب «اسْتَبْرَه» وقولُه: «فما في القامُوس خَطَأٌ وخَبْطٌ» قلت: لا خَطَأَ فيه ولا خَبْطَ، بل أَوْرَدَ الأَقْوالَ بعَيْنِها، كما نَصَّ عليه أَئمَّةُ اللُّغَةِ، كما ستَقفُ عليه، وأَمّا كونُه مُعَرَّب «اسْتَرْوَه» فقد عَرَّفْناك أَنَّه بعينِه نصُّ ابنِ دُرَيْدٍ في الجَمْهَرَةِ، وأَنّه مُعَرَّبٌ عن السُّرْيانِيَّة، فلا وَهَمَ فيه، فتَأَمَّلْ. وقالَ شيخُنا: الصَّوابُ في اسْتَبْرَق أَن يُذْكَرَ في فَصْلِ الهَمْزَةِ؛ لأَنَّهُ عَجَمِيٌّ إِجْماعاً، وهمزَتُه قَطْعٌ في صَحِيحِ الكلامِ، لا أَنَّه مأْخُوذٌ من البَرْقِ، حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَنَّه اسْتَفْعَل، كما تَوَهَّمه المصنِّفُ.

  قلتُ: ولكِنّه سَيَأْتِي أَنَّ تَصْغِيرَه أُبَيْرِقٌ، كما نصَّ عليه الجَوْهَرِيُّ وغيرهُ، وفي التَّصْغِير يُرَدُّ الشيءُ إِلى أَصْلهِ، فعُلِمَ أَنَّ أَصْلَه «برق» وهذا مَلْحَظُ الجوهَرِيِّ، ولو أَنَّ ابنَ الأَثيرِ وغَيْرَه خالَفُوهُ في ذلِكَ، ثُمّ نَقَلَ شَيْخُنا عن الشِّهابِ في العِنايةِ - في أَثناءِ الدُّخانِ - ما نَصُّه: أَيَّدَ كَوْنَه عَربِيًّا من البَرّاقَةِ، فَوَصَلَ الهَمزَةَ، قال شيخُنا: في إِثباتِ الوَصْلِ نَظَرٌ: انتهى.

  قلتُ: لا نَظَر فيهِ، فقد نَقَلَه أَبو الفَتْحِ بنُ جِنِّي في كتاب الشَّواذِّ عن ابْنِ مُحَيْصِنٍ في قَوْلِه تَعالى: بَطائِنُها مِن اسْتَبْرَقَ⁣(⁣٢) قالَ: وكأَنّه تَوَهَّمَه فِعْلاً، إِذْ كانَ عَلَى وَزْنِه، فتَرَكَه مَفْتُوحاً على حالِه، فتَأَمَّلْ.

  أَو دِيباجٌ صَفِيقٌ غَليظٌ حَسَنٌ يُعْمَلُ بالذَّهَبِ وبه فُسِّرَ قولُه تَعالى: {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ}⁣(⁣٣) أَو ثِيابُ حَرِيرٍ صفاقٌ نَحْوُ الدِّيباجِ وهو قولُ ابنِ دُرَيْدٍ، وقِيلَ: هو ما غَلُظَ من الحَرِيرِ والإِبْرِيسَمِ، قالَهُ ابنُ الأَثِير أَوقِدَّةٌ حَمْرَاءُ كَأَنّها قِطَعُ الأَوْتارِ نَقَله ابنُ عَبّادٍ وتَصْغِيرُه أُبَيْرِقٌ نقله الجَوْهَرِيُّ.

  والبُرَيْقُ بنُ عِيَاض بنِ خُوَيْلِدٍ الخُناعِيُّ كزُبَيْرٍ: شاعِرٌ هُذَلِيٌّ من بَنِي خُناعَةَ.

  وأَرْعَدُوا وأَبْرَقُوا: إِذا أَصَابَهُم رَعْدٌ وبَرْقٌ.

  وحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ وأَبُو عَمْرٍو: أَرْعَدَت السَّماءُ وأَبْرَقَتْ: إِذا أَتَتْ بهما وكذلِكَ رَعَدَت وبَرَقَتْ، وقد تَقَدَّمَ.

  وأَرْعَدَ فلانٌ وأَبْرَقَ: إِذا تَهَدَّدَ وأَوْعَدَ وكذلِك رَعَدَ وَبَرَقَ، وقد تَقَدَّم، ولو ذَكَر الثُّلاثِيَّ والرُّباعِيَّ في موضعٍ واحِدٍ كان أَتْقَنَ في الصِّناعةِ، كما لا يَخْفَى، وقد تَقَدَّم إِنكارُ الأَصْمَعِيِّ أَرْعَدَ وأَبْرَقَ.


(١) قال داود في تذكرته: المتعارف الآن أن البورق هو الأبيض الخالص اللون الهش الناعم.

(٢) سورة الرحمن الآية ٥٤.

(٣) سورة الإنسان الآية ٢١.