فصل الحاء مع القاف
  عَلَيْها أَنْ تَئِيمَ مِنْ بَعْلِها، فتَحْلِقَ شَعْرَها، وقِيلَ: مَعناه: أَصابَها الله تَعالَى بوَجَع في حَلْقِها نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وليسَ بقَوِيٍّ. وقالَ ابنُ سِيدَه: قِيل: معناه أَنّها مَشْؤُومَةٌ، ولا أُحِقُّها، وقالَ الأَزْهَرِيُّ: حَلْقَى عَقْرَى: مَشْؤُومَةٌ مُؤْذِيَةٌ، وقالَ أَبو نَصْرٍ(١): يُقالُ عِنْدَ الأَمْرِ تَعْجَبُ منه: خَمْشَى عَقْرَى حَلْقَى، كأَنَّه من الخَمْشِ والعَقْرِ والحَلْقِ، وأَنشد:
  أَلا قَوْمِي أُولُو عَقْرَى وحَلْقَى ... لِما لاقَتْ سَلامانُ بنُ غَنْمِ
  هكَذا أَنْشَدَه الجَوْهَرِيُّ، والمَعْنَى: قَوْمِي أُولُو نِساءٍ قد عَقَرْنَ وجُوُهَهُن فخَدَشْنَها، وحَلَقْنَ شُعُورَهُنَّ(٢)، قال ابنُ بَرِّي: وقد رَوَى هذا البَيْتَ ابنُ القَطّاع هكذا، وكَذَا الهَرَوِيُّ في الغَرِيبَيْنِ، والذي رَواهُ ابنُ السِّكِّيتِ.
  أَلا قُومِي إِلى عَقْرَى وحَلْقَى
  وفسَّرَهُ ابنُ جِنِّي فقال: قولُهم: «عَقْرَى وحَلْقَى» الأَصْلُ فيه أَنَّ المَرْأَةَ كانت إِذا أُصِيبَ لها كَرِيمٌ حَلَقَتْ رَأْسَها، وَأَخَذَتْ نَعْلَيْنِ تَضْرِبُ بهما رَأْسَها، وتَعْقِرُهُ، وعلى ذلِكَ قولُ الخَنْساءِ:
  ولكِنّي رأَيتُ الصَّبْرَ خَيْراً ... من النَّعْلَيْنِ والرَّأْسِ الحَلِيقِ(٣)
  يُرِيدُ أَنَّ قَوْمِي هؤُلاءِ قد بَلَغَ بهم من البَلاءِ ما يَبْلُغُ بالمَرْأَةِ المَعْقُورَةِ المَحْلُوقةِ، ومعناه أَنَّهم صارُوا إِلى حالِ النِّساءِ المَعْقُوراتِ المَحْلُوقاتِ، وقالَ شَمِرٌ: رَوَى أَبو عُبَيْدٍ: «عَقْراً حَلْقاً» فقُلْتُ له: لم أَسْمَعْ هذا إِلا عَقْرَى حَلْقَى، فقال: لكِنِّي لم أَسْمَعْ فَعْلَى على الدُّعاءِ، قال شَمِرٌ: فقلتُ له: قال ابنُ شُمَيْلٍ: إِنَّ صِبْيانَ البادِيَةِ يَلْعَبُون ويَقُولُون: مِطِّيرَى، على فِعِّيلَى، وهو أَثْقَلُ من حَلْقَى، قال: فَصَيَّرَه في كِتابِه على وَجْهَيْنِ: مُنَوَّناً، وغَيْرَ مُنَوَّنٍ.
  وتَحْلِيقُ الطّائِرِ: ارْتِفاعُه في طَيَرانِه واسْتِدارَتُه في الهَواءِ، وهو مَجازٌ، قال ذُو الرُّمَّةِ يصفُ ماءً وَرَدَهُ:
  وَرَدْتُ اعْتِسافاً والثُّرَيّا كأَنَّه ... عَلَى قِمَّةِ الرَّأْسِ ابنُ ماءٍ مُحَلِّقُ
  وقالَ النّابِغَةُ الذُّبْيانِيُّ:
  إِذا ما غَزَوْا بالجَيْشِ حَلَّقَ فَوْقَهُم ... عَصائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدِي بعَصائِبِ(٤)
  وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: حَلَّقَ ضَرْعُ النّاقَةِ تَحْلِيقاً: إِذا ارْتَفَعَ لَبَنُها إِلى بَطْنِها.
  وقالَ ابنُ سِيدَه: حَلَّقَ اللَّبَنُ: ذَهَبَ.
  وقالَ أَبو عَمْرٍو: حَلَّقَتْ عُيُونُ الإِبِلِ: إِذا غارَتْ وهو مَجازٌ.
  وحَلَّقَ القَمَرُ: صارَتْ حَوْلَه دَوّارَةٌ أَي: دارَةٌ، كتَحَلَّقَ.
  وحَلَّقَ النَّجْمُ: ارْتَفَع ورَوَى أَنَسٌ ¥: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضاءُ مُحَلِّقَةٌ» قال شَمِرٌ: أَي: مُرْتَفِعَةٌ، وقال غَيْرُه: تَحْلِيقُ الشَّمْسِ من أَوَّلِ النَّهارِ: ارْتِفاعُها من المَشْرِق، ومن آخِرِ النَّهار: انْحِدارُها، وقال شَمِرٌ: لا أَدْرِي التَّحْلِيقَ إِلّا الارْتِفاعَ، قال ابنُ الزَّبِيرِ الأَسَدِيُّ - في النَّجْمِ -:
  رُبَ مَنْهَلٍ طاوٍ وَرَدْتُ وقد خَوَى ... نَجْمٌ وحَلَّقَ في السَّماءِ نُجُومُ(٥)
  خَوَى، أَي: غابَ.
  وحَلَّقَ بالشَّيْءِ إِليه: رَمَى ومنه الحَدِيثُ: «فبَعَثَتْ عائِشَةُ ^ إِليهم بقَمِيصِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فانْتَحَبَ النّاسُ، فحَلَّقَ به أَبُو بَكْرٍ ¥ إِليَّ، وقال: تَزَوَّدِي به، واطْوِهِ»(٦).
  وقالَ ابنُ عَبّادٍ: يُقالُ: شَرِبْتُ صُواجاً فحَلَّقَ بِي، أَي:
(١) في التهذيب واللسان: «وقال الأصمعي» وفي الصحاح: أبو نصر أحمد بن حاتم.
(٢) زيد في التهذيب: متسلّبات على من قُتل من رجالها.
(٣) تقدم في المادة، وقبله في اللسان هنا:
فلا وأبيك ما سلّيت نفسي ... بفاحشةٍ أتيت ولا عقوقِ
(٤) هذه رواية الديوان ص ١٠ وصدره في اللسان:
إذا ما التقى الجمعان حلّق فوقهم
يريد أن النسور والعقبان والرخم تتبع العساكر تنتظر القتلى لتقع عليهم، قاله مصحح الديوان.
(٥) التهذيب برواية: طامٍ بدل طاوٍ.
(٦) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: واطوه، كذا في اللسان والنهاية» في اللسان ط دار المعارف «واطويه».