تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الحاء مع القاف

صفحة 93 - الجزء 13

  عَلَيْها أَنْ تَئِيمَ مِنْ بَعْلِها، فتَحْلِقَ شَعْرَها، وقِيلَ: مَعناه: أَصابَها الله تَعالَى بوَجَع في حَلْقِها نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وليسَ بقَوِيٍّ. وقالَ ابنُ سِيدَه: قِيل: معناه أَنّها مَشْؤُومَةٌ، ولا أُحِقُّها، وقالَ الأَزْهَرِيُّ: حَلْقَى عَقْرَى: مَشْؤُومَةٌ مُؤْذِيَةٌ، وقالَ أَبو نَصْرٍ⁣(⁣١): يُقالُ عِنْدَ الأَمْرِ تَعْجَبُ منه: خَمْشَى عَقْرَى حَلْقَى، كأَنَّه من الخَمْشِ والعَقْرِ والحَلْقِ، وأَنشد:

  أَلا قَوْمِي أُولُو عَقْرَى وحَلْقَى ... لِما لاقَتْ سَلامانُ بنُ غَنْمِ

  هكَذا أَنْشَدَه الجَوْهَرِيُّ، والمَعْنَى: قَوْمِي أُولُو نِساءٍ قد عَقَرْنَ وجُوُهَهُن فخَدَشْنَها، وحَلَقْنَ شُعُورَهُنَّ⁣(⁣٢)، قال ابنُ بَرِّي: وقد رَوَى هذا البَيْتَ ابنُ القَطّاع هكذا، وكَذَا الهَرَوِيُّ في الغَرِيبَيْنِ، والذي رَواهُ ابنُ السِّكِّيتِ.

  أَلا قُومِي إِلى عَقْرَى وحَلْقَى

  وفسَّرَهُ ابنُ جِنِّي فقال: قولُهم: «عَقْرَى وحَلْقَى» الأَصْلُ فيه أَنَّ المَرْأَةَ كانت إِذا أُصِيبَ لها كَرِيمٌ حَلَقَتْ رَأْسَها، وَأَخَذَتْ نَعْلَيْنِ تَضْرِبُ بهما رَأْسَها، وتَعْقِرُهُ، وعلى ذلِكَ قولُ الخَنْساءِ:

  ولكِنّي رأَيتُ الصَّبْرَ خَيْراً ... من النَّعْلَيْنِ والرَّأْسِ الحَلِيقِ⁣(⁣٣)

  يُرِيدُ أَنَّ قَوْمِي هؤُلاءِ قد بَلَغَ بهم من البَلاءِ ما يَبْلُغُ بالمَرْأَةِ المَعْقُورَةِ المَحْلُوقةِ، ومعناه أَنَّهم صارُوا إِلى حالِ النِّساءِ المَعْقُوراتِ المَحْلُوقاتِ، وقالَ شَمِرٌ: رَوَى أَبو عُبَيْدٍ: «عَقْراً حَلْقاً» فقُلْتُ له: لم أَسْمَعْ هذا إِلا عَقْرَى حَلْقَى، فقال: لكِنِّي لم أَسْمَعْ فَعْلَى على الدُّعاءِ، قال شَمِرٌ: فقلتُ له: قال ابنُ شُمَيْلٍ: إِنَّ صِبْيانَ البادِيَةِ يَلْعَبُون ويَقُولُون: مِطِّيرَى، على فِعِّيلَى، وهو أَثْقَلُ من حَلْقَى، قال: فَصَيَّرَه في كِتابِه على وَجْهَيْنِ: مُنَوَّناً، وغَيْرَ مُنَوَّنٍ.

  وتَحْلِيقُ الطّائِرِ: ارْتِفاعُه في طَيَرانِه واسْتِدارَتُه في الهَواءِ، وهو مَجازٌ، قال ذُو الرُّمَّةِ يصفُ ماءً وَرَدَهُ:

  وَرَدْتُ اعْتِسافاً والثُّرَيّا كأَنَّه ... عَلَى قِمَّةِ الرَّأْسِ ابنُ ماءٍ مُحَلِّقُ

  وقالَ النّابِغَةُ الذُّبْيانِيُّ:

  إِذا ما غَزَوْا بالجَيْشِ حَلَّقَ فَوْقَهُم ... عَصائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدِي بعَصائِبِ⁣(⁣٤)

  وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: حَلَّقَ ضَرْعُ النّاقَةِ تَحْلِيقاً: إِذا ارْتَفَعَ لَبَنُها إِلى بَطْنِها.

  وقالَ ابنُ سِيدَه: حَلَّقَ اللَّبَنُ: ذَهَبَ.

  وقالَ أَبو عَمْرٍو: حَلَّقَتْ عُيُونُ الإِبِلِ: إِذا غارَتْ وهو مَجازٌ.

  وحَلَّقَ القَمَرُ: صارَتْ حَوْلَه دَوّارَةٌ أَي: دارَةٌ، كتَحَلَّقَ.

  وحَلَّقَ النَّجْمُ: ارْتَفَع ورَوَى أَنَسٌ ¥: «كانَ النَّبِيُّ يُصَلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضاءُ مُحَلِّقَةٌ» قال شَمِرٌ: أَي: مُرْتَفِعَةٌ، وقال غَيْرُه: تَحْلِيقُ الشَّمْسِ من أَوَّلِ النَّهارِ: ارْتِفاعُها من المَشْرِق، ومن آخِرِ النَّهار: انْحِدارُها، وقال شَمِرٌ: لا أَدْرِي التَّحْلِيقَ إِلّا الارْتِفاعَ، قال ابنُ الزَّبِيرِ الأَسَدِيُّ - في النَّجْمِ -:

  رُبَ مَنْهَلٍ طاوٍ وَرَدْتُ وقد خَوَى ... نَجْمٌ وحَلَّقَ في السَّماءِ نُجُومُ⁣(⁣٥)

  خَوَى، أَي: غابَ.

  وحَلَّقَ بالشَّيْءِ إِليه: رَمَى ومنه الحَدِيثُ: «فبَعَثَتْ عائِشَةُ ^ إِليهم بقَمِيصِ رَسُولِ اللهِ فانْتَحَبَ النّاسُ، فحَلَّقَ به أَبُو بَكْرٍ ¥ إِليَّ، وقال: تَزَوَّدِي به، واطْوِهِ»⁣(⁣٦).

  وقالَ ابنُ عَبّادٍ: يُقالُ: شَرِبْتُ صُواجاً فحَلَّقَ بِي، أَي:


(١) في التهذيب واللسان: «وقال الأصمعي» وفي الصحاح: أبو نصر أحمد بن حاتم.

(٢) زيد في التهذيب: متسلّبات على من قُتل من رجالها.

(٣) تقدم في المادة، وقبله في اللسان هنا:

فلا وأبيك ما سلّيت نفسي ... بفاحشةٍ أتيت ولا عقوقِ

(٤) هذه رواية الديوان ص ١٠ وصدره في اللسان:

إذا ما التقى الجمعان حلّق فوقهم

يريد أن النسور والعقبان والرخم تتبع العساكر تنتظر القتلى لتقع عليهم، قاله مصحح الديوان.

(٥) التهذيب برواية: طامٍ بدل طاوٍ.

(٦) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: واطوه، كذا في اللسان والنهاية» في اللسان ط دار المعارف «واطويه».