تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الصاد مع القاف

صفحة 266 - الجزء 13

  ويُقال: فَعَلَه في غِبّ صادِقَةٍ، أَي: بَعْدَ ما تَبَيَّنَ له الأَمْرُ، نقله ابنُ دُرَيْدٍ.

  وأَصْدَقَها حتى تَزَوَّجَهَا: جَعَلَ لها صَداقاً، وقيل: سَمَّى لها صَداقَها وفي الحَدِيث: «ليسَ عندَ أَبوَيْنا ما يُصْدِقانِ عنا «أَي: يُؤَدِّيان إِلى أَزواجنا الصَّداق.

  ولَيْلَةُ الوَقُودِ تُسمَّى السَّدْقُ⁣(⁣١)، بالسّينِ المُهملة وبالصَّادِ لَحْن. قلتُ: وقد مَرَّ له أَنه بالسِّينِ، والذّالُ مُعْجَمةٌ محركة، مُعرَّب سَذَهْ، ونقله الجَوْهَرِيُّ أَيضاً، فانظُر ذلِك.

  وصَدَّقه تَصْدِيقاً: قَبِل قولَه، وهو ضِدّ كَذَّبه، وهو قوله تعالى: {وَصَدَّقَ بِهِ}⁣(⁣٢) قال الراغب: أَي حَقَّق ما أَوْرَدَه قَولاً بما تَحرَّاه فعلاً.

  وصَدَّق الَوحْشِيُّ: إِذا عَدَا ولم يَلْتَفِت لما حُمِل عليه نَقلَه ابن دُرَيد⁣(⁣٣) وهو مجاز.

  والمُصَدِّق، كمُحَدّث: آخِذ الصَّدَقات أَي: الحُقُوق من الإِبِل والغَنَم، يقبِضها ويَجْمَعُها لأَهل السُّهْمان.

  والمُتَصَدِّق: مُعْطِيها، وهكذا هو في القُرآن، وهو قولُه تعالى: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}⁣(⁣٤).

  وفي الحَدِيث: «تصَدَّقُوا ولو بِشِقِّ تَمْرةٍ». هذا قول القُتَيْبِيّ وغيرِه.

  وقال الخَلِيلُ: المُعْطِي مُتَصَدِّقٌ، والسائِلُ مُتَصدِّق، وهما سواء.

  وقال ابنُ السِّيد - في «شرح أَدب الكاتب» لابن قُتَيْبة - يقال: تَصدَّقَ: إِذا سأَل الصَّدَقَة، نقله عن أَبي زَيْد وابنِ جِنِّي. وحكى ابنُ الأَنبارِيّ في «كتابِ الأَضْدادِ» مثلَ قولِ الخَلِيل. قال الأَزهريُّ: وحُذّاق النَّحْوِيِّين [وأئمة اللغة]⁣(⁣٥) يُنكِرُونَ أَن يُقال للسَّائِل مُتصدِّق، ولا يُجِيزُونه قال ذلك الفَرَّاءُ والأَصمَعِيُّ وغَيرُهُما. والمُصادَقَة والصِّداقُ كَكِتاب: المُخالَّة، كالتَّصَادُقِ والصَّداقَة، وقد صَدَقه النَّصِيحَةَ والإِخاءَ: أَمْحَضَه له.

  وصادَقَه مُصادَقةً وصِداقاً: خَالَلَهُ، والاسْمُ الصَّداقَةُ.

  وتَصادَقَا في الحَدِيثِ، وفي المَودَّةِ: ضدُّ تَكاذَبَا. وقال الأَعْشَى:

  ولقد أَقطَعُ الخَلِيلَ إِذا لَمْ ... أَرْجُ وَصْلاً إِنَّ الإِخاءَ الصِّداقُ⁣(⁣٦)

  وفي التَّنْزِيل: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ⁣(⁣٧) وأَصله المُتَصَدِّقين والمُتَصَدِّقات فقُلِبَت التَّاءُ صاداً، وأُدْغِمَت في مِثْلِها وهي قِراءَة غَيْرِ ابن كَثِيرٍ وأَبي بَكْر، فإِنَّهما قرآ بتَخْفِيفِ الصَّاد، وهم الذين يُعطُون الصَّدقاتِ.

  * ومما يُستَدْرَك عليه:

  التَّصْداقُ، بالفَتْح: الصِّدْق.

  والمُصدِّق، كمُحدِّث: الذي يُصدِّقُك في حَدِيثك.

  ورجلٌ صِدْقٌ، وامرأَة صِدْقٌ: وُصِفا بالمَصْدر.

  وصِدْقٌ صادِقٌ، كقولهم: شِعْرٌ شاعِر، يُرِيدُون المبالغةَ.

  وقال الرّاغب: وقد يُستَعْملُ الصِّدْق والكَذِبُ في كُلِّ ما يَحِقُّ ويَحصُلُ عن الاعْتِقادِ، نحو صَدَقَ ظَنِّي وكَذَبَ.

  قلتُ: ومنه قولُه تَعالَى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ}⁣(⁣٨) بتخفيف الدّال ونَصْب الظَّنِّ، أَي: صَدَق عليهم في ظَنِّه.

  قالَ الفَرَّاءُ: ومن قَرأَ بالتَّشْدِيدِ فمَعْناه أَنه حَقَّقَ ظَنَّه حِينَ قال: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ}⁣(⁣٩) لأَنه قال ذلك ظَانًّا، فحَقَّقَهُ في الضّالِّينَ.

  وقال أَبو الهَيْثم: صَدَقَنِي فُلانٌ، أَي: قالَ لِيَ الصِّدْقَ.

  وقالَ غيرُه: صَدَقَه النَّصِيحَةَ والإِخاءَ، أَي: أَمْحَضَه له.

  وحَمْلةٌ صَادِقةٌ، كما قالوا: لَيْسَت لها مَكْذُوبةٌ، وهو مَجاز.

  وقَولُ أَبي ذُؤَيبٍ:


(١) ضبطت في الصحاح «سذق»: السَّذَقُ بالتحريك.

(٢) سورة الزمر الآية ٣٣.

(٣) الجمهرة ٢/ ٢٧٤.

(٤) سورة يوسف الآية ٨٨.

(٥) زيادة عن التهذيب.

(٦) ديوانه ط بيروت ص ١٢٧.

(٧) سورة الحديد الآية ١٨.

(٨) سورة سبأ الآية ٢٠.

(٩) سورة النساء الآية ١١٩.