تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[هرق]:

صفحة 493 - الجزء 13

  عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لم تحلل أَوْكِيتهن وقال سلمة بن الخرشب الأَنْمارِيُّ:

  هرقنَ بِساحوقَ جفاناً كثيرةً ... وأدّينَ أخرى من حقينٍ وحَازِرِ

  وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لأَوْسِ بنِ حجر:

  نُبِّئْتُ أَنَّ دَماً حراماً نِلْتَهُ ... فهُرِيق في ثوبٍ عليك مَحَبَّرِ⁣(⁣١)

  وأَنْشَدَ للنابِغَةِ:

  وما هُرِيقَ على الأَنْصابِ من جَسَدِ⁣(⁣٢)

  قالَ الفيومي في المِصْباحِ: وأَصْل هَراقَهُ هريقه وزَانَ دَحْرَجه، ولهذا تُفْتَح الهاءُ مِنَ المُضَارِع فيُقال: يُهَرِيقُه كما تُفْتح الدَّالُ مِنْ يُدَحْرجه.

  وأَهْرَقَهُ يُهْرِيقُه كذا في النُّسَخ وهو غَلَطٌ صَوَابه يُهْرِقه إِهْراقاً على افعلَ يَفْعَل كما في سائِرِ نُسَخِ الصِّحاحِ والعَبَابِ، ووقَعَ في نُسْخَةِ اللِّسَانِ نَقْلاً عَنِ الجَوْهَرِيِّ مِثْل ما في نسخنا وهو خَطَأٌ ظاهِرٌ وهذه هي اللُّغَةُ الثانِيَة مِنَ الثلاثَةِ، وكأن الهاء في هذه أَصْلِية، وقَدْ ذَكَرَها الجَوْهَرِيُّ والصَّاغانِيُّ بقَوْلِهِم، وفِيه لُغَة أُخْرَى: أَهْرَقَ يُهْرِقُ عَلَى أَفْعَلَ يُفْعِلُ، وقالا: قالَ سِيْبَوَيْهٌ: قَدْ أَبْدَلُوا مِنَ الهَمْزَة الهاءَ ثم أُلْزِمَت فصَارَتْ كأنَّها مِنْ نَفْسِ الحَرْفِ ثم أُدْخِلَت الأَلِف بَعْدُ عَلَى الهاءِ وتُرِكَت الهاءُ عِوَضاً مِنْ حَذْفِهم حَرَكَة العَيْنِ لأَنَّ أَصْلَ أَهْرَق أَرْيقَ. قالَ ابنُ بَرِّيّ: هذه اللُّغَة الثانِيَة التي حَكَاها عَنْ سِيْبَوَيْه هي الثالِثَة التي يَحْكِيها فيمَا بَعْدُ إِلَّا أَنَّهُ غلط في التَّمْثِيْل، فقالَ أَهْرَق يُهْرِقُ، وهي لُغَة ثالِثَة شاذَّةٌ نادِرَةٌ لَيْسَتْ بواحِدَةٍ مِنَ اللّغَتَيْنِ المَشْهُورتين؛ يقُولُون: هَرَقْتُ الماءَ هَرْقاً وأَهْرَقْتُه إِهْرَاقاً، فيَجْعَلُون الهاءَ فاءً والرَّاء عيْناً ولا يَجْعلونَه مُعْتلاً، وأَمَّا الثانِيَة التي حَكَاها سِيْبَوَيْهٌ فهي أَهْرَاق يُهْرِيقُ إِهْرَاقةً، فغيَّرَها الجَوْهَرِيُّ وجَعَلَها ثالِثَة، وجَعَل مَصْدَرَها إِهْرِياقاً، أَلَا تَرَى أَنَّه حُكِيَ عَنْ سِيْبَوَيْه في اللغَةِ الثانِيَةِ أَنَّ الهاءَ عِوَض مِنْ حركَةِ العَيْن لأَنَّ الأَصْلَ أُرْيَقَ؟ فهذا يدلُّ أَنّه مِنْ أَهْرَاق إِهْرَاقةً بالأَلْفِ، وكذا حَكَاه سِيْبَوَيْه في اللغَةِ الثانِيَةِ الصَّحِيْحَة.

  وأَهْراقَهُ يُهْرِيقُه إِهْرِياقاً فهو مُهَرِيقٌ بفتحِ الهاءِ وذاكَ مُهَراقٌ ومُهْرَاقٌ بفتحِها وسكونِها أَي صَبَّهُ وهذه هي اللغَةِ الثالِثَةِ تتمَّةِ اللَّغَات، هكذَا نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والصَّاغانيُّ قال: وهذا شاذٌّ ونظِيْرُه أَسْطاعَ يُسْطِيع اسْطِياعاً بفتْحِ الهَمْزةِ فِي المَاضِي وضمِّ الياءِ في المُسْتقبل، لغَةٌ في أَطَاعَ يُطِيْع، فجعلُوا السِّين عِوَضاً مِنْ ذِهابِ حركَةِ عَيْن الفِعْلِ على ما ذَكَرْناه عَنِ الأَخْفَشِ في بابِ العَيْن؛ وكذلِكَ حكْمُ الهاءِ عِنْدِي انْتَهَى.

  قالَ ابنُ بَرِّي: وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ هذه اللغَةَ هي الثانِيَةِ فيمَا تَقَدَّمَ إلَّا أنَّه غَيَّرَ مَصْدَرَها فقالَ إِهْرِياقاً، وصَوَابه إِهْرَاقَةً لأَنَّ الأَصْل أَراقَ يُرِيقُ إراقةً، ثم زِيْدَت فِيْه الهاء فصَارَ إِهْراقةً، وتاءُ التأْنِيْث عِوَضٌ مِنَ العَيْن المَحْذُوفة، وكذلِكَ قالَ ابنُ السراج أَهْراقَ يُهْرِيْقُ إهْرَاقةً، وأَسْطاعَ يُسْطِيع إِسْطاعة، قالَ: وأَمَّا الذي ذَكَرَه الجَوْهَرِيُّ مِنْ أنَّ مَصْدَرَ أَهْراقَ وأَسْطَاع إِهْرياقاً واسْطِياعاً فغَلَطٌ مِنْه، لأَنَّه غَيْر مَعْرُوف، والقِيَاس إِهْرَاقةً وإِسْطَاعةً عَلَى ما تَقَدَّم، وإِنَّمَا غلَّطَه في اسْطِيَاع أَنَّه أَتَى به عَلَى وَزْنِ الاسْتِطاعِ مَصْدر اسْتَطاع، قالَ: وهذا سَهْو مِنْه لأَنَّ أَسْطاعَ هَمْزَتَه قَطّع والاسطياع هَمْزَتَهما وَصْل، وقَوْلُه: والشَّيْءِ مُهْرَاقٌ مُهْرَاق لا غَيْر، قالَ: وأَمَّا مُهَراقٌ بالفتحِ، فمفْعُولُ هَرَاقَ وقَدْ تَقَدَّم شاهِدُه أي مِنْ قَوْلِ الشاعر:

  رُبَّ كأَسٍ هَرَقْتَها ابنَ لُؤَيٍّ ... حَذَرَ الموتِ لم تكُنْ مُهْرَاقَهْ⁣(⁣٣)

  قُلْتُ وكذَا قَوْل امْرِئِ القَيْسِ.

  وإِنَّ شفَائِي عَبْرةٌ مُهْرَاقةٌ⁣(⁣٤)

  وشَاهِد المُهْرَاق ما أُنْشِدَ في بابِ الهجَاءِ مِنَ الحَمَاسةِ لعُمَارة بن عُقَيْل:

  دعَتْهُ وفي أَثوابِهِ مِن دِمَائِها ... خَلِيطَا دمٍ مُهْرَاقةٍ غَيْر ذَاهِبِ⁣(⁣٥)


(١) ديوانه ط بيروت ص ٤٧ واللسان.

(٢) ديوانه ط بيروت وصدره فيه: فلا لعمر الذي مسّحت كعبته وعجزه في اللسان.

(٣) اللسان.

(٤) ديوانه ط بيروت ص ٣١ وعجزه فيه:

فهل عند رسمٍ دارسٍ من مُغوَّلِ

(٥) شرح ديوان الحماسة للتبريزي ٤/ ٨ برواية: «خليطا دم من ثوبه ...» قال: ويروى: ... مهراقة غير ذاهب. والمثبت كرواية اللسان.