تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الهاء مع القاف

صفحة 494 - الجزء 13

  وقالَ جَرِير العِجْلِي، ويُرْوَى للأَخْطَلِ وهي في شِعْره:

  إِذا ما قُلْتُ قَدْ صالَحْتُ قَوْمِي ... أَبَى الأَضْغَانُ والنسبُ البَعيدُ⁣(⁣١)

  ومُهْراقُ الدِّماءِ بوَارِدَاتٍ ... تَبِيدُ المُخْزِياتُ ولا تَبِيدُ

  قالَ: والفاعِلُ مِنْ أَهْرَاقَ مُهْريقٌ، وشاهِدُه قَوْل كُثَيِّر:

  فأَصْبَحْتُ كالمُهْرِيقِ فَضْلَةَ مائِهِ ... لضَاحِي سَرَابٍ بالَمَلا يَتَرَقْرَقُ⁣(⁣٢)

  وقالَ: العُدَيْلُ بنُ القَرْخ⁣(⁣٣):

  كنْتُ كمُهْرِيقِ الذي في سِقائِهِ ... لِرَقْرَاقِ آلٍ فَوْقَ رابيةٍ جَلْدِ

  وقالَ آخَرُ:

  فظَلَلْتُ كالمُهْرِيقِ فَضْلَ سِقائِهِ ... في جَوِّها جِرَةٍ لِلَمْعِ سَرابِ⁣(⁣٤)

  وشاهِدُ الإِهْرَاقةِ في المَصْدر قَوْل ذِي الرِّمّةِ:

  فلمَّا دَنَتْ إِهْرَاقَةُ الماءِ أَنْصَتَتْ ... لأَعْزِلَةٍ عَنْها وفي النَّفْسِ أَن أُثْنِي

  وأصْلُه أي أصْلُ هَرَاقِ الماءِ كما هو نَصّ الصِّحاحِ.

  أَراقَةُ يُريقُه إراقَةً قالَ: وأَصْلُ أراقَ أرْيَقَ قالَ ابنُ بَرِّي: أَصْلُ أَرَاقَ أَرْوَقَ بالوَاوِ لأَنَّه يُقالُ رَاقَ الماءُ رَوْقَاناً انْصَبَّ، وأَرَاقهُ غَيْره صَبَّه، قالَ وحَكَى الكِسَائِي رَاقَ الماءُ يَرِيقُ انْصَبَّ، قالَ: فَعَلَى هذَا يَجُوْزُ أَنْ يكونَ أَصْلُ أَرَاقَ اليَاء.

  قُلْتُ: ولكنَّ ابنَ سِيْدَه قَوَّى قَوْلَهم أنَّ أَصْلَ أَرَاقَ أَرْوَقَ، قالَ: وإِنَّما قضى عَلَى أَنَّ أَصْلَه أَرْوَقَ لأَمْرَين: أَحَدُهُما أنّ كَوْنَ عَيْنُ الفِعْل وَاواً أَكْثر مِنْ كَوْنِها ياءً فيمَا اعْتَلَّتْ عَيْنه؛ والآخَر: أنَّ الماءَ إذا هريق ظَهَرَ جَوْهَره وصَفَا فراق رائيه يروقه فهذَا يُقَوِّي كَوْنَ العَيْنِ مِنْه وَاواً انْتَهَى.

  وقَدْ مَرَّ في رَوَقَ عَنِ ابنِ بَرِّي: أَرَقْتُ الماءَ مَنْقُول مِنْ رَاقَ الماءَ يُرِيق رَيقاً إذا تَردَّدَ عَلَى وَجْه الأَرْضِ، فعَلَى هذَا حق أَرَاقَ أنْ يُذْكَرَ في رَيَقَ لا رَوَقَ، فقَوْلُه هذا يُقَوِّي قَوْلَ الكِسَائِي، ومِثْل ذلِكَ نَصّ المِصْباحِ، رَاقَ الماء والدَّم رَيقاً مِنْ بابِ بَاعَ انْصَبَّ وَيَتَعَدَّى بالهَمْزةِ فيُقَالُ أَرَاقَه صاحِبُه وهو مُريقٌ ومُرَاقٌ، وتُبْدَلُ الهَمْزة هاءً، فيُقالُ هَرَاقَه، ثم قال: وأَصْلُ يُريقُ يُرْيِقُ عَلَى وَزْنِ يُكْرِمُ وأَصْلُ يُرْيِقُ يُأَرْيِقُ عَلَى وَزْنِ يُدَحْرِجُ ثم قال: وإِنّما قالوا أُهَرِيقُه بضمِ الهَمْزةِ وفَتْح الهاءِ، ولم يقولوا أأرِيقُه لاسْتِثْقالِ الهمزتينِ وقَدْ زَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الإِبْدَالِ انْتَهَى.

  قُلْتُ: وقالَ بَعْضُ النَّحويِّين إنما هو هَرَاق يُهَرْيقُ لأَنَّ الأَصْلَ مِنْ أَرَاقَ يُرِيْقُ يُأَرْيِقُ لأَنَّ أَفْعَل يُفْعِلُ، في الأَصْدِ، كان يُأَفْعِل فقَلَبُوا الهَمْزَة التي في يُؤَرْيقُ هاءً فقِيلَ يُهَرْيقُ، فلِذَا تَحَرَّكَت الهاء، نَقَلَه ابنُ سِيْدَه. وفي المِصْبَاحِ⁣(⁣٥): وقَدْ يُجْمَع بَيْن الهاءِ والهَمْزةِ فيُقالُ: أَهْرَاقَه يُهْرِيقه سَاكِن الهاءِ تَشْبِيْهاً له بأسْطَاع يُسْتطِيع كأَنَّ الهَمْزَةَ زِيْدَت عِوَضاً عَنْ حَرَكَةِ الياءِ في الأَصْلِ، ولهذا لا يَصِيْر الفِعْل بهذه الزِّيادَةِ خُمَاسِيّاً.

  وفي التَّهْذِيبِ: مَنْ قالَ: أَهْرَقْتُ فهو خَطَأٌ في القِيَاسِ انْتَهَى.

  قُلْتُ: نَصّ الأَزْهَرِيّ في التَّهْذِيبِ: هَرَاقَتِ السَّماءُ مَاءَها تُهَرِيقُ، والماءُ مُهَراق، الهاءُ في ذَلِكَ كُلِّه مُتَحَرِّكَةٌ لأَنَّها لَيْسَت بأَصْلِيَّة إِنَّما هي بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ أَرَاقَ، قال: هَرَقْتُ مِثْل أَرَقْتُ، ومَنْ قالَ: أَهْرَقْت فهو خطأٌ في القِيَاسِ، قالَ: ومِثْل قَوْلهم: هَرَقْتُ والأصْل أَرَقْتُ قَوْلُهم: هَرَحْتُ الدَّابةَ وأَرَحْتُها، وهَنَرْتُ النارَ وأَنَرْتُها، قال: وأَمَّا لُغَةُ مَنْ قالَ أَهْرَقْتُ الماءَ فهِي بَعِيْدةٌ.

  قالَ أَبو زَيْدٍ: الهاءُ مِنْها⁣(⁣٦) زَائِدَة كما قالُوا: أَنْهَأْتُ اللّحْمَ، والأصْل أَنَأْته بوَزْنِ أَنَعْتُه؛ قالَ شَيْخُنا: وإِنَّما أَوْجَبُوا فَتْح الهاءِ لا حَذْفَها لِأمْرَيْن: أَحَدُهما: أَنَّ مُوجِبَ الحَذْفِ الذي هو اجْتِمَاع هَمْزَتَيْن قَدْ زَالَ وذَهَبَ بإبْدَالِها هاءً، وهذا هو الذي أَشَارَ إليه الجَوْهَرِيُّ بقَوْلِه وتَبِعه المُصَنِّفُ، وإنَّما قالُوا: أهريقه الخ. الثاني: أَنَّه لمَّا كَثُرَ اسْتِعْمال هذا الفِعْل عَلَى هذا الوَجْهِ وشَاعَ دَوَرَانه كذلِكَ تُنُوسِي في الهاءِ مَعْنَى الزِّيادَةِ، وصَارَتْ كأَنَّهَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الكَلِمَةِ، ولذلِكَ


(١) ديوانه واللسان.

(٢) ديوانه واللسان.

(٣) في اللسان: الفرخ.

(٤) اللسان.

(٥) انظر المصباح المنير «الريق».

(٦) في التهذيب: «فيها».