تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الراء مع الميم

صفحة 276 - الجزء 16

  أَصْحابِنا. وحاصِلُ ما في شرْحِ الدَّلائِل للفاسِيّ ما نَصّه: تَرَحَّم لُغَةٌ غيرُ فَصِيحةٍ، وقيلَ: لحنٌ، وقيلَ⁣(⁣١): مع كَوْنِها لا يصحُّ إطْلاقُها على اللهُ تعالَى لمَا فيها مِن التَّكَلُّفِ؛ وقيلَ: إنَّ ذلِكَ جارٍ على إرادَةِ المُشاكَلَةِ أَو المُجازَاةِ أَو نحْوِهما، لأنَّ التَّرَحّمَ هنا سُؤالُ الرَّحْمَة ومِن اللهِ إعْطاؤُها. وفي الحدِيْث المَذْكورِ الدُّعاءُ للنبيِّ ، بالرَّحْمَةِ والمَغْفِرَةِ، وهي مَسْأَلةٌ مُخْتَلَفٌ فيها، والحقُّ مَنْعُ ذلِكَ على الانْفِرادِ وجَوازُهُ تِبعاً للصَّلاة ونحْوِها.

  والرَّحَمُوتُ: فَعَلُوتُ مِن الرَّحْمَةِ، يقالُ: رَهَبوتٌ خَيْرٌ لَكَ مِن رَحَمُوتٍ لم يُسْتَعْمَلْ هذه الصِّيغَة إلَّا مُزْدَوِجاً، وهو مَثَلٌ من أَمْثالِهِم، أَي أَن تُرْهَبَ خَيْرٌ لَكَ من أَنْ تُرْحَمَ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

  وقوْلُه تعالَى: {وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ}⁣(⁣٢)؛ أَي يَخْتَصُّ بنُبَوَّتِهِ ممَّنْ أَخْبَرَ، ø، أَنّه مُصْطفًى مُخْتارٌ.

  والرِّحْمُ، بالكسْرِ وككَتِفٍ: بيتُ مَنْبِتِ الوَلدِ ووِعاؤُه في البَطْنِ، كما في المُحْكَمِ؛ وأَنْشَدَ لعَبيدٍ:

  أَعاقِرٌ كذات رِحْمٍ ... أَم غانِمٌ كمَنْ يَخيبُ؟⁣(⁣٣)

  واقْتَصَرَ الجوْهَرِيُّ على اللُّغةِ الثانيةِ فقال: الرَّحِمُ: رَحِمُ الْأُنْثَى، وهي مُؤَنَّثةٌ.

  قالَ ابنُ بَرِّي: شاهِدُ تأْنِيثِ الرَّحِم قوْلُهم: الرَّحِمُ مَعْقومةٌ، وقولُ ابنِ الرِّقاعِ:

  حَرْف تَشَذَّرَ عن رَيَّانَ مُنْغَمِسٍ ... مُسْتَحْقَبٍ رَزَأَتْهُ رِحْمُها الجَمَلا⁣(⁣٤)

  قلْتُ: وفيه أَيْضاً شاهِدٌ على كَسْرِ الراءِ مِن رحم.

  ومِن المجازِ: الرَّحِمُ: القَرابَةُ تَجْمَعُ بَنِي أَب. وبَيْنهما رَحِمٌ أَي قَرابَةٌ قَريبةٌ، كذا في التَّهْذِيبِ.

  قالَ الجوْهَرِيُّ: والرِّحْمُ بالكسْرِ مِثْلُه، وأَنْشَدَ الأَعْشَى:

  أَمَّا لِطالِبِ نِعْمة يَمَّمْتَها ... ووِصالَ رِحْمٍ قد بَرَدْتَ بِلالَها⁣(⁣٥)

  قالَ ابنُ بَرِّي: ومِثْلُه لقَيْل بنِ عَمْرِو بنِ الهُجَيْم:

  وذي نَسَب ناءٍ بعيدٍ وَصَلْتُه ... وذي رَحِمٍ بَلَّلْتُها بِبِلالِها⁣(⁣٦)

  قالَ: وبهذا البَيْتِ سُمِّي بُلَيْلاً؛ وأَنْشَدَ ابنُ سِيْدَه:

  خُذُوا حِذْرَكُم يا آلَ عِكرِمَ واذْكروا ... أَواصِرَنا والرِّحْمُ بالغَيْب تُذْكَرُ

  وذَهَبَ سِيْبَوَيْه إلى أَنَّ هذا مُطَّردٌ في كلِّ ما كانَ ثانِيه مِن حُرُوفِ الحَلْقِ.

  أَو الرَّحِمُ أَصْلُها وأَسْبابُها⁣(⁣٧)، ونَصُّ المُحْكَمِ: والرَّحِمُ: أَسْبابُ القَرابَةِ، وأَصْلُها الرَّحِمُ التي هي مَنْبِتُ الوَلَدِ، وهي الرِّحْمُ.

  فقوْلُه: وأَصْلُها ليسَ مِن تفْسيرِ الرّحم كما زَعَمَه المصنِّفُ فتأَمَّلْ ذلِكَ بدِقَّةٍ تَجِده. ويدلُّ لذلِكَ أَيْضاً نَصُّ الأساسِ: هي عَلاقَةُ القَرابَةِ وسَبَبُها، انتَهَى.

  وقالوا: جَزاكَ اللهُ خَيْراً والرَّحِمُ والرَّحِمَ؛ وبالرفْعِ والنَّصْب، وجَزاكَ شَرّاً والقَطِيعةَ، بالنَّصْبِ لا غَيْر.

  وفي الحدِيْث: «إِنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مُعَلَّقةٌ بالعَرْشِ تقولُ: اللهمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَني واقْطَعْ مَن قَطَعَني».

  وفي الحدِيْث القدْسِيّ: «قالَ اللهُ تعالَى لمَّا خَلَقَ الرَّحِمَ: أَنَا الرَّحْمن وأَنْتَ الرَّحِمُ شَقَقْت اسْمَك مِن اسْمِي فمَنْ وَصَلَكَ وَصَلْته ومَنْ قَطَعَك قَطَعْته»؛ ويُرْوَى: بَتَتْه، وقد تقدَّمَ.


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: مع كونها لا يصح مع كونها لحناً أو غير فصيحة لا يصح».

(٢) البقرة الآية ١٠٥.

(٣) ديوان عبيد بن الأبرص ط بيروت ص ٢٦ برواية:

أعاقر مثل ذات رحمٍ ... أم غانم مثل من يخيبُ

والمثبت كرواية اللسان.

(٤) اللسان.

(٥) ديوانه ط بيروت ص ١٥٣ برواية:

أُمّاً لصاحب نعمة طرحتها ... ... قد نضحت بلالها

والمثبت كرواية اللسان والصحاح.

(٦) اللسان.

(٧) على هامش القاموس: صريحة أن أصل القرابة معنى الرحم.