تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل اللام مع الميم

صفحة 660 - الجزء 17

  وِإِنْكارُ الجوْهريِّ كوْنَه بمعنَى إلَّا غيرُ جَيِّدٍ ونَصُّه: وقَوْلُ مَنْ قالَ: لمَّا بمَعْنَى إلَّا، فليسَ يُعْرَف في اللّغَةِ، انتَهَى.

  وقد نَقَلَ الأَزْهرِيُّ وغيرُهُ مِن الأَئمَّةِ أنَّه صَحِيحٌ.

  وقالَ ابنُ بَرِّي: وقد حَكَى سِيْبَوَيْه: نَشدْتُك الله لَمَّا فَعَلْت بمَعْنَى إلَّا فَعَلْت.

  وقالَ الأَزْهرِيُّ: يقالُ: سأَلْتُكَ لَمَّا فَعَلْتُ أَي إلَّا فَعَلْتَ، وهي لُغَةُ هُذَيْل إذا أُجِيبَ بها إن التي هي جَحْد؛ ومنه قَوْلُه تعالَى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ}⁣(⁣١) فيمنْ قَرَأ به، معْناهُ: ما كلُّ نَفْسٍ إلَّا عليها حافِظٌ.

  قالَ ابنُ بَرِّي: وتخفَّفُ المِيمُ وتكونُ ما زائِدَة وقد قُرِئَ به أَيْضاً والمعْنَى لعليها حافِظُ.

  وِمِثْلُه قَوْلُه تعالَى: {وَ} إِنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ⁣(⁣٢). شَدَّدها عاصِمٌ، والمعْنَى ما كلٌّ إلَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا.

  وقالَ الفرَّاءُ: لمَّا إذا وُضِعَت في مَعْنى إلَّا فكأَنَّها لمْ ضُمَّت إليها ما، فصارا جَمِيعاً بمعْنَى إن التي تكونُ جَحداً فضَمُّوا إليها لا فصارَا جَمِيعاً حَرْفاً واحِداً وخَرَجا مِن حَدِّ الجَحْد، وكَذلِكَ لمَّا؛ قالَ: وكانَ الكِسائيُّ، يقولُ: لا أَعْرِف وَجْهَ لمَّا بالتَّشْديدِ.

  قالَ الأَزْهرِيُّ: وممَّا يَدُلُّك على أَنَّ لمَّا تكونُ بمعْنَى إلَّا مع إن التي تكونُ جَحداً قولُ اللهِ ø: {إِنْ كُلٌّ إِلّا كَذَّبَ الرُّسُلَ}⁣(⁣٣)؛ وهي قرَاءَةُ قُرَّاء الأَمْصارِ.

  قالَ الفرَّاءُ: وِهي في قراءَة عبدِ اللهِ إن كلُّهم⁣(⁣٤) لمَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ، قالَ: والمعْنَى واحِدٌ.

  وقالَ الخَليلُ: لمَّا تكونُ انتِظاراً لشيءٍ مُتوقَّع، وقد تكونُ انْقطاعةً لشيءٍ قد مَضَى.

  قالَ الأَزْهرِيُّ: وهذا كقَوْلِك: لمَّا غابَ قُمْتُ.

  قالَ الكِسائيُّ: لمَّا تكونُ جَحداً في مَكَان، وتكونُ وَقْتاً في مَكانٍ، وتكونُ انْتظاراً لشيءٍ مُتوقَّعٍ في مَكانٍ، وتكونُ بمعْنَى إلَّا في مَكانٍ، تقولُ: باللهِ لمَّا قمْتَ عَنَّا، بمعْنَى، إلَّا قمْتَ عَنَّا.

  وِاللُّمْلومُ، بالضمِّ: الجماعةُ يلتَمُّونَ.

  وِأَلُمَّ لُغَةٌ في هَلُمَّ زِنَةً ومعْنًى.

  وِأَلَمَّ يَفْعَلُ كذا: أَي كادَ يَفْعَل، كذا نَقَلَهُ الفرَّاء.

  وِلِمَ بكسْرِ اللَّامِ وفتحِ المِيمِ: حَرْفٌ يُسْتَفْهَمُ به، تقولُ: لِمَ ذَهَبْتَ؟ والأَصْل لما، ولَكَ أَنْ تُدْخِلَ عليه ما ثم تَحْذِفُ منه الأَلِف، ومنه قَوْله تعالَى: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}⁣(⁣٥)، كذا في الصِّحاحِ.

  وقالَ أَبو زَكَريا: هذا الذي ذَكَرَه إنَّما يتعلَّقُ بلَمِ الجازِمَةِ وليسَ مِن فَصْل الاسْتِفهامِيَّة، وأَصْل لم لما حُذِفَت الأَلِف تخفيفاً وتُرِكَت المِيمُ مَفْتوحةٌ لتدلَّ الفَتْحة على الأَلِف المَحْذوفَةِ، وقد يَجوزُ تَسْكِين المِيم وتَرْكها على حَرَكتِها أَجْوَد.

  وقالَ ابنُ بَرِّي عندَ قَوْل الجَوْهريّ: لِمَ حَرْفٌ يُسْتَفْهمُ به إلى آخِرِه: هذا كَلامٌ فاسِدٌ لأَنَّ ما هي مَوْجودَةٌ في لِمَ، واللام هي الدَّاخِلَة عليها، وحُذِفت أَلِفها فرقاً بينَ الاسْتِفْهامِيَّة والخَبَرِيَّة، وأَمَّا أَلَمْ فالأَصْل فيها لَمْ، أُدْخِل عليها أَلِف الاسْتِفْهام، قالَ: وِأَمَّا لِمَ، فإنَّ أَصْلَه⁣(⁣٦) ما التي تكونُ اسْتِفهاماً وُصِلَت بلامٍ.

  ثم قالَ الجَوْهرِيُّ: ولَكَ أَنْ تُدْخِلَ عليها الهاءَ في الوَقْفِ فتقولَ لِمَهْ، وقَوْل زِياد الأَعْجم:

  يا عَجَباً! والدَّهْرُ جَمٌّ عَجَبُهْ ... منْ عَنَزِيِّ سبَّني لم أَضْرِبُهْ⁣(⁣٧)


(١) الطارق، الآية ٤.

(٢) يس، الآية ٣٢.

(٣) ص، الآية ١٤.

(٤) في القاموس: كُلٌّ.

(٥) التوبة، الآية ٤٣.

(٦) في القاموس: «أصلُه» والنصب ظاهر.

(٧) اللسان والصحاح، والمشهور في الشطر الأول:

عجبت والدهر كثير عجبه