تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل النون مع الميم

صفحة 693 - الجزء 17

  اللهَ لا يَنْعَمُ بأَحَدٍ عَيْناً، ولكن قُل: أَنْعَمَ اللهُ بِكَ عَيْناً».

  قالَ الزَّمَخْشرِيُّ: الذي مَنَع منه مُطرِّفٌ صَحِيحٌ فَصِيحٌ في كَلامِهم، وعَيْناً نصبٌ على التَّمْييزِ مِن الكافِ، والباء للتَّعْديَةِ، والمعْنَى: نَعَّمَكَ اللهُ عَيْناً، أَي نَعَّم عَيْنَك وأَقَرَّها، وقد يَحْذفُونَ الجارَّ ويُوصِلونَ الفِعْلَ فيقُولونَ: نَعِمَك اللهُ عَيْناً⁣(⁣١)، وما أَنْعَمَ اللهُ بِكَ عَيْناً، فالباءُ فيه زائِدَةٌ لأنَّ الهَمْزةَ كافيةٌ في التَّعْدِيَةِ، ويَجوزُ أَنْ يكونَ مِن أَنْعَمَ إذا دَخَلَ في النَّعِيم فيُعدَّى بالباءِ، قالَ: ولعلَّ مُطرِّفاً خُيِّلَ إليه أَنَّ انْتِصابَ المميِّز في هذا الكَلامِ عن الفاعِلِ فاسْتَعْظَمه، تعالَى اللهُ أَنْ يُوصَفَ بالحَواس علوَّا كَبيراً، كما يقولونَ: نَعِمْتُ بهذا الأَمْرِ عَيْناً، والباءُ للتَّعْدية، فحَسِبَ أَنَّ الأَمْرَ في نَعِمَ اللهُ عَيْناً كَذلِكَ.

  وِالعَرَبُ تقولُ: نَعْمُ عَيْنٍ وِنَعْمَةُ عَيْنٍ وِنَعامُ عَيْنٍ، وهذه عن الحرمازِيِّ كما في النَّوادِرِ، وِنَعيمُ عَيْنٍ، بفَتْحِهِنَّ وِنُعْمَى عَيْنٍ وِنُعامَى عَيْنٍ وِنُعامُ عَيْنٍ وِنُعْمُ عَيْنٍ وِنُعْمَةُ عَيْنٍ، بضمِّهِنَّ، وِنِعْمَةُ عَيْنٍ وِنِعامُ عَيْنٍ، بكسْرِهِما.

  قالَ سِيْبَوَيْه: ويُنْصَبُ⁣(⁣٢) الكلُّ بإِضْمارِ الفِعْلِ المَتْروك إظْهارَه، أَي أَفْعَلُ ذلِكَ إنْعاماً لعَيْنِكَ وإكْراماً لَكَ، وما أَشْبَهَه.

  وفي الصِّحاحِ: كَرامَةُ لَكَ وإِكْراماً لعَيْنِكَ وما أَشْبَهَه.

  وفي الحَدِيْثِ: «إذا سَمِعْتَ قولاً حَسَناً فَرُوَيْداً بصاحِبِه، فإن وافَقَ قولٌ عَمَلاً فنَعْمَ وِنُعْمةَ عينٍ آخِه وأَوْدِدْهُ»، أَي قُلْ له: نَعْمَ وِنُعْمةَ عَيْنٍ أَي أُقِرُّ عينَكَ بطاعَتِك واتِّباعِ أَمْرَك؛ وقالَ الفَرَزْدق:

  وِكُومٍ تَنْعَمُ الأَضْياف عَيْناً ... وِتُصْبِحُ في مَبارِكِها ثِقالا⁣(⁣٣)

  أَي تَنْعَم الأَضْيافُ عَيْناً بِهنَّ لأَنَّهم يَشْربونَ مِن أَلْبانِها.

  وقيلَ: إنَّ هذه الكُومَ تُسَرُّ بالأَضْيافِ كسُرورِ الأَضْيافِ بها. وقيلَ: إنَّما تأْنَسُ بهم لكَثْرةِ أَلْبانِها، فهي لذلِكَ لا تَخافُ أَنْ تُعْقَر.

  وحَكَى اللّحْيانيُّ: يا نُعْمَ عَيْني، أَي يا قُرَّة عَيْني؛ وأَنْشَدَ عن الكِسائيّ:

  صَبَّحكَ اللهُ بخَيْرٍ باكرِ ... بنُعْمِ عينٍ وشَبابٍ فاخِرِ⁣(⁣٤)

  وِنَعِمَ العودُ، كفَرِحَ؛ اخْضَّر ونَضَرَ؛ وأَنْشَدَ سِيْبَوَيْه:

  وِاعْوَجَّ عُودُك من لَحْوٍ ومن قِدَمٍ ... لا يَنْعَمُ العُودُ حتى يَنْعَم الورَقُ⁣(⁣٥)

  وِالنَّعامَةُ: طائرٌ مَعْروفٌ أُنْثَى، ويُذَكَّرُ.

  قالَ الأَزْهرِيُّ: وجائِزٌ أَنْ يقالَ للذَّكَرِ نَعامَةٌ، بالهاءِ.

  وِاسمُ الجِنْسِ نَعامٌ، كحَمامٍ وحَمامةٍ وجَرادٍ وجَرادةٍ؛ وِقد يَقَعُ النَّعامُ على الواحِدِ؛ قالَ أبو كَثْوة:

  ولَّى نَعامُ بني صَفْوانَ زَوْزَأَةً ... لمَّا رأَى أَسَداً بالغابِ قد وَثَبا⁣(⁣٦)

  والعَرَبُ تقولُ: أَصَمُّ مِن نَعامةٍ؛ وقد تَقَدِّمَ في «ظ ل م».

  وأَمْوَقُ مِن نَعامةٍ وأَشْرَدُ مِن نَعامةٍ، وأَجْبَنُ مِن نَعامةٍ، وأَعْدى مِن نَعامةٍ.

  وِالنَّعامَةُ: المَفَازَةُ، كالنَّعامِ، هكذا في سائِرِ النُّسخِ.

  والذي في الصِّحاحِ: النَّعامُ وِالنَّعامَةُ: عَلَمٌ مِن أَعْلامِ المَفاوزِ يُهْتَدَى به؛ قالَ أَبو ذُؤيْبٍ يَصِفُ طرقَ المَفازَة:

  بِهنَّ نَعامٌ بَناها الرِّجا ... لُ تُلْقِي النَّفائضُ فيه السَّريحا⁣(⁣٧)

  ورَوَى غيرُ الجَوْهريّ عَجْزَه:


(١) في اللسان: وأمّا.

(٢) على هامش القاموس عن إحدى نسخه: وتَنْصِبُ.

(٣) ديوانه ط بيروت ٢/ ٦٩ واللسان.

(٤) اللسان والتهذيب.

(٥) اللسان وكتب مصححه بهامشه: قوله: من لحوٍ، في المحكم من لحق، واللحق: الضمر.

(٦) اللسان.

(٧) ديوان الهذليين ١/ ١٣٦ برواية: «تُبقي» واللسان والصحاح.