تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حنن]:

صفحة 161 - الجزء 18

  فقالَ له: حَنَنْت يا ابنَ السَّوْداءِ ويقالُ: ما لَهُ حانَّةٌ ولا أَنَّةٌ أَي ناقَةٌ ولا شاةُ.

  وقالَ أَبو زيدٍ: يقالُ: ما لَهُ حانَّةٌ ولا جارَّةٌ، فالحانَّةُ: الإِبِلُ التي تَحِنُّ، والجارَّةُ: الحَمُولَةُ تَحْمِلُ المتاعَ والطَّعامَ؛ وقد ذُكِرَ شيءٌ مِن ذلك في أ ن ن؛ كالمُسْتَحِنِّ؛ قالَ الأَعْشَى:

  تَرَى الشَّيْخَ منها يُحِبُّ الإِيا ... بَ يَرْجُفُ كالشارِفِ المُسْتَحِنّ⁣(⁣١)

  كما في الصِّحاحِ.

  قالَ ابنُ بَرِّي: والمُسْتَحِنُّ: الذي اسْتَحَنَّه الشوقُ إلى وَطَنِه؛ قالَ: ومثلُه ليزيدَ بنِ النُّعْمانِ الأَشْعَريّ:

  لقد تَرَكَتْ فُؤَادَك مُسْتَحِنَّاً ... مُطَوَّقَةٌ على غُصْنٍ تَغَنَّى⁣(⁣٢)

  والحَنَّانَةُ: القَوْسُ، اسْمٌ لها عَلَمٌ، هذا قَوْلُ أَبي حَنِيفَةَ وَحْده.

  قالَ ابنُ سِيْدَه: ونحنُ لا نَعْلم أَنَّ القَوْسَ تُسَمَّى حَنَّانَة إنَّما هو صفة تَغْلِبُ عليها غَلَبة الاسْمِ، فإن كانَ أَبو حنيفَةَ أَرادَ هذا، وإِلَّا فقد أَساءَ التَّعْبيرَ.

  أَو هي المُصَوِّتَةُ منها عنْد الإِنْباضِ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ:

  وفي مَنْكِبَيْ حَنَّانةٍ عُودُ نَبْعَةٍ ... تَخَيَّرَها لي سُوقَ مَكَّةَ بائِعُ⁣(⁣٣)

  أَي في سُوقِ مكَّةَ؛ وأَنْشَدَ أَبو حنيفَةَ:

  حَنَّانةٌ من نَشَمِ أَو تأْلَبِ

  وقد حَنَّتْ تَحنُّ حَنِيناً: صَوَّتَتْ، وأَحَنَّها صاحبُها: صَوَّتها؛ وفي بعْضِ الأَخْبارِ: أَنَّ رَجلاً أَوْصى ابْنَه فقالَ: لا تَتَزَوَّجَنَّ حَنَّانَةً ولا مَنَّانَة.

  وقالَ رجلٌ لابْنِه: يا بُنيَّ إِيَّاكَ والرَّقُوبَ الغضُوبَ الأَنَّانةَ الحَنَّانَةَ المَنَّانَةَ؛ فالحَنَّانَةُ: التي كانَ لها زَوْجٌ قَبْلُ فَتَذْكُرُه بالحَنِينِ والتَّحَزُّنُ رِقَّة على وُلْدِها إذا كانوا صِغاراً ليَقومَ الزَّوجُ بأَمْرِهم. وقد مَرَّ هذا المَعْنى بعَيْنِه في الأَنَّانَة.

  وقيلَ: الحَنَّانَةُ التي تَحِنُّ إلى زَوْجِها الأَوَّل وتعطِفُ عليه؛ وقيلَ: هي التي تَحِنُّ على ولدِها الذي مِن زَوْجِها المُفارِقِ لها.

  والحَنانُ، كسَحابٍ: الرَّحْمَةُ والعَطْفُ؛ وبه فَسَّر الفرَّاءُ قَوْلَه تعالَى: {وَحَناناً}⁣(⁣٤) {مِنْ لَدُنّا}: أَي وفَعَلْنا ذلكَ رَحْمة لأَبَوَيْكَ؛ وقَوْلُ امْرئِ القَيْس:

  ويَمْنَعُها بَنُو شَمَجَى بنِ جَرْم ... مَعِيزَهُمُ حَنانَكَ ذا الحَنانِ⁣(⁣٥)

  قالَ ابنُ الأَعْرابيّ: مَعْناه رَحْمَتك يا رحمنُ.

  وأَيْضاً: الرِّزْقُ.

  وأَيْضاً: البَرَكَةُ.

  وأَيْضاً: الهَيْبَةُ. يقالُ: ما تَرَى له حَناناً، أَي هَيْبَةً؛ عن الأُمَويّ.

  وأَيْضاً: الوَقارُ.

  وأَيْضاً: رِقَّةُ القَلْبِ، وهو مَعْنَى الرَّحْمة.

  قالَ الرَّاغِبُ: ولمَّا كانَ الحَنِينُ مُتَضَمِّناً للاشْتِياقِ⁣(⁣٦)، والاشْتِياقُ لا يَنْفكّ عن الرَّحْمةِ عَبَّر به عن الرَّحْمةِ في قَوْلِه تعالَى: {وَحَناناً مِنْ لَدُنّا}.

  وفي الصِّحاحِ: وذَكَرَ عكرِمةُ عن ابنِ عبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهما في هذه الآيةِ أَنَّه قالَ: ما أَدْرِي ما الحَنانُ.


(١) ديوانه ط بيروت ص ٢١٠ برواية: «لحب الآيات» واللسان والصحاح.

(٢) اللسان.

(٣) اللسان والصحاح والمقاييس ٢/ ٢٥، والأساس برواية:

تخيرها سوق المدينة بائع

(٤) مريم، الآية ١٣.

(٥) ديوانه ط بيروت ص ١٧٦ واللسان، والصحاح وفيها: «وتمنحها» والتهذيب وفيه: «ويمنحها» ومقاييس اللغة ٢/ ٢٥ برواية:

مجاورة بني شمجي بن جرم ... حنانك ربنا يا ذا الحنان

(٦) في المفردات: للإشفاق، والإشفاقُ.