[من]:
  وكفَى بنا فَضْلاً على مَنْ غَيرِنا ... حُبُّ النَّبِيُّ محمدٍ إيَّانا(١)
  في رِوايَةِ الجَرِّ؛ وقَوْله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا}(٢)، جَزَمَ جماعَةٌ أَنَّها نَكِرَةٌ مَوْصوفَةٌ، وآخَرُونَ أنَّها مَوْصُولَةٌ.
  وتكونُ نَكِرَةً تامَّةً، نَحْو: مَرَرْت بمَنْ مُحْسِنٍ، أَي بإنْسانٍ مُحْسِنٍ.
  وفي التهْذِيبِ عن الكِسائي: مَنْ تكونُ اسْماً وجَحْداً واسْتِفْهاماً وشَرْطاً ومَعْرفةً ونَكِرَةً، وتكونُ للواحِدِ والاثْنينِ والجَمْعِ، وتكونُ خُصوصاً، وتكونُ للإنْسِ والملائِكَةِ والجِنِّ، وتكونُ للبهائِمِ إذا خَلَطَّتها بغيرِها.
  * قُلْت: أَمَّا الاسمُ المَعْرفَةُ فكَقَوْلِه تعالى: {وَالسَّماءِ وَما بَناها}(٣)، أَي والذي بَناها. والجَحْدُ، كقَوْلِه: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضّالُّونَ}(٤)، المعْنَى: لا يَقْنَطُ؛ وقيلَ: هي مَنْ الاسْتِفْهامِيَّة أشربَتْ معْنَى النَّفْي ومنه: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ}(٥)، ولا يَتَقيَّدُ جَوازُ ذلِكَ بأنْ يَتَقدَّمَها الواوُ خلافاً لبعضِهم بدَليلِ قَوْلِه تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلّا بِإِذْنِهِ}(٦)، والاسْتِفْهامُ نَحْو قَوْلِه تعالى: {مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا}(٧)؟ والشَّرْطُ نَحْو قَوْلِه تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}(٨)، فهذا شَرْطٌ وهو عامٌّ، ومَنْ للجماعَةِ نَحْو قَوْلِه تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}(٩). وأَمَّا في الواحِدِ فكقَوْلِه تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}(١٠)، وفي الاثْنَيْنِ كقَوْلِه:
  تَعالَ فإنْ عاهَدْتَنِي لا تَخُونَني ... نَكُنْ مثلَ مَنْ يا ذِئبُ يَصْطَحِبانِ(١١)
  قالَ الفرَّاءُ: ثَنَّى يَصْطَحِبان وهو فِعْلٌ لمَنْ لأنَّه نَواهُ ونَفْسَه. وفي جَمْعِ النِّساءِ نَحْو قوْلِه تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ}(١٢).
  وقالَ الرَّاغِبُ: مَنْ عبارَةٌ عنِ النَّاطِقِين ولا يُعَبَّرُ به عن غيْرِهِم إلَّا إذا جمعَ بَيْنهم وبينَ غيرِهم كقَوْلِكَ: رَأَيْت مَنْ في الدارِ مِنَ الناسِ والبَهائِمِ؛ أَو يكونُ تَفْصِيلاً لجملَةٍ يدخلُ فيها الناطِقُونَ كقَوْلِه، ø: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي}(١٣)، الآيَة. ويُعَبَّرُ به عن الواحِدِ والجَمْع والمُؤَنَّثِ والمُذَكَّرِ.
  وفي الصِّحاحِ: اسمٌ لمَنْ يصلحُ أَنْ يُخاطَبَ، وهو مُبْهَمٌ غيرُ مُتَمكّن، وهو في اللفْظِ واحِدٌ ويكونُ في معْنَى الجماعَةِ، ولها أَرْبَعةُ مَواضِع: الاسْتِفهامُ نَحْو: مَنْ عِنْدَكَ؟ والخَبَرُ نَحْو رَأَيْت مَنْ عِنْدَكَ؟ والجَزاءُ نَحْو: مَنْ يُكْرِمْني أُكْرِمْهُ؛ وتكونُ نَكِرَةً وأَنْشَدَ قَوْلَ الأَنْصارِيّ: وكَفَى بنا فَضْلاً إلى آخِرِه.
  قالَ: خَفَضَ غَيْر على الإتْباعِ لمَنْ، ويَجُوزُ فيه الرَّفْعُ على أَنْ تُجْعَل مَنْ صِلةً بإضْمارِ هو. قالَ: وتُحْكَى بها الأَعْلامُ والكُنَى والنّكِراتُ في لُغَةِ أَهْلِ الحجازِ إذا قالَ: رأَيْتُ زيداً، قُلْتُ: مَنْ زيد(١٤)، وإذا قالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً، قُلْت: مَنَا، لأنَّه نَكِرَةٌ، وإن قالَ: جاءَني رَجُلٌ قُلْتُ مَنُو، وإنْ قالَ: مَرَرْتُ برجُلٍ قُلْت مَنِي، وإن قالَ: جاءَني رجُلان، قُلْت مَنَانْ، وإن قالَ: مَرَرْتُ برَجُلَيْن، قُلْت مَنَينْ، بتَسْكِين النُّون فيهما.
  وكذلكَ في الجَمْعِ: إنْ قالَ: جاءَني رِجالٌ، قُلْت مَنُونْ ومَنِينْ في النَّصْبِ والجرِّ، ولا يُحْكَى بها غيرُ
(١) اللسان منسوباً لبشير بن عبد الرحمن، ومغني اللبيب ص ٤٣٢ منسوباً لحسان، وليس في ديوانه.
(٢) البقرة، الآية ٨.
(٣) الشمس، الآية ٥، وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله: {وَالسَّماءِ وَما بَناها} هذا سبق قلم فإن الكلام في «من» وعبارة اللسان فكقولك: والسماء ومن بناها».
(٤) الحجر، الآية ٥٦.
(٥) آل عمران، الآية ١٣٥.
(٦) البقرة، الآية ٢٥٥.
(٧) يس، الآية ٥٢.
(٨) الزلزلة، الآية ٧.
(٩) الروم، الآية ٤٤.
(١٠) محمد، الآية ١٦.
(١١) اللسان.
(١٢) الأحزاب، الآية ٣١.
(١٣) النور، الآية ٤٥.
(١٤) في الصحاح: زيداً.