تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[فكه]:

صفحة 73 - الجزء 19

  وفَاقَهَهُ: بَاحثَهُ في العِلْمِ فَفَقَهَهُ، كَنَصَرَهُ: غَلَبَهُ فِيهِ.

  والحَدِيثِ الذي لا طرق له: «لَعَنَ اللهُ النَّائِحَةَ والمُسْتَفْقِهَة» هِيَ: صَاحِبَةُ النَّائِحَةِ الَّتي تُجَاوِبُهَا في قَوْلِهَا لأَنَّهَا تَتَلَقَّفَهُ وَتَتَفَهَّمَهُ⁣(⁣١) فَتُجِيبُهَا عَنْهُ.

  وَيُقالُ للشَّاهِدِ: كَيْفَ فَقَاهَتُكَ لِما أَشْهَدْنَاكَ، وَلَا يُقَالُ في غَيْرِهِ⁣(⁣٢)، كَمَا في المُحْكَمِ.

  أَوْ يُقَالُ في غَيْرِ الشَّاهِدِ فِيمَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ.

  * وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلْيِهِ:

  قَالَ ابنُ شُمَيْل: أَعْجَبَني فَقَاهَتُهُ أَيْ فِقْهُهُ.

  وَكُلُّ عَالِمٍ بِشَيْءٍ فَهُوَ فَقِيهٌ.

  وفَقِيهُ العَرَبِ: عَالِمُهُمْ.

  والفَقْهَةُ: المَحَالَةُ في نُقْرَةِ القَفَا، قَالَ الرَّاجِزُ:

  وتَضْرِبُ الفَقْهَةَ حتى تَنْدَلِقُ⁣(⁣٣)

  قال ابنُ برِّي: هو مَقْلُوبٌ مِنَ الفَهْقَةِ.

  وَتَفَقَّهَ: تَعَاطَى الفِقْعِ.

  وَبَيْتُ الفَقِيهِ: مَدِينَتَانِ باليَمَنِ: إِحْدَاهُمَا المَنْسُوبَةُ إِلَى ابنِ عُجحَيل، والثَّانِيَةُ: الزَّيْدِيَّة.

  [فكه]: الفاكِهَةُ: الثَّمْرُ كُلُّهُ. هَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ.

  وقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: كُلُّ شَيْءٍ قَدْ سُمِّيَ مِن الثِّمَارِ في القُرْآنِ نَحْوَ التَّمْرِ والرُّمَّانِ فَإِنا لا نُسَمِّيه فاكِهَة، قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ فَاكِهَةً وَأَكَلَ تَمْراً أَوْ رُمَّاناً لَمْ يَحْنَثْ، وبه أَخَذَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ}⁣(⁣٤).

  وقال الرَّاغِبُ: وَكَأَنَّ قَائِلَ هذا القَوْلِ نَظَرَ إِلِى اخْتصاصِهِمَا بالذِّكْرِ وَعَطْفِهِمَا على الفاكِهَةِ في هذِهِ الآيَةِ.

  وأَرَادَ المُصَنِّفَ رَدَّ هَذا الْقَوْلِ تِبْعاً لِلأَزْهَرِيِّ فَقَالَ: وَقَوْلُ مُخْرِجِ التَّمْرِ والعِنَبِ والرُّمَّانِ منهما مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ} بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ مَبْسُوطاً في كتابي اللَّامِعِ المُعْلَمِ العُجابِ في الجَمْعِ بين المُحْكَمِ والعُبَابِ.

  وقد تَعَرَّض لِلْبَحْثِ الأَزْهَرِيُّ فَقَالَ: ما عَلِمْتُ أَحَداً مِنَ العَرَبِ قَالَ: إِنَّ النَّخِيلَ والكُرُومَ ثِمَارُهَا لَيْسَتْ مِنَ الفَاكِهَةِ، وإِنَّما شَذَّ قَوْلُ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ في هذه المَسْأَلَةِ عَنْ أَقَاوِيلِ جَمَاعَةِ الفُقَهَاءِ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ⁣(⁣٥) كان بِكَلَامِ العَرَبِ وَعِلْمِ اللُّغَةِ وَتَأْوِيلِ القُرْآنِ العَرَبِيِّ المُبِين، والعَرَبُ تَذْكُرُ الأَشْيَاءَ جملةً ثم تخصُّ منها شَيْئاً بالتَّسْمِيَةِ تَنْبِيهاً على فَضْلٍ فيه. قَالَ اللهُ تَعَالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ}⁣(⁣٦) فَمَنْ قَال: إِنْ جِبْريلَ وَمِيكَالَ لَيْسَا مِنَ المَلائِكَةِ لإِفْرَادِ اللهِ، ø إِيَّاهُمَا بالتَّسْمِيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ المَلَائِكَةِ جُمْلَةً فَهُوَ كَافِرٌ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ إِنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ والرُّمَّانِ لَيْسَ فَاكِهَة لإِفْرَادِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُمَا بالتَّسْمِيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الفاكهة جُمْلَةً فَهُوَ جَاهِلٌ، وَهُوَ خِلَافِ المَعْقُولِ وَخِلَافُ لُغَةِ العَرَبِ، انْتَهَى.

  وَرَحِمَ اللهُ الأَزْهَرِيُّ لَقَدْ تَحَامَلَ فِي هذِهِ المَسْأَلَةِ عَلَى الإِمَامِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَقَدْ كَانَ لَهُ فِي الذَّبِّ عَنْهُ مَنْدُوحَة ومهيع واسِع.

  قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ تَعَرَّضَ الملا عَلَيَّ فِي النَّامُوسِ للجَوابِ فقالَ: هذا الاسْتِدْلَالُ صَحِيحٌ نَقْلاً وَعَقْلاً، فَأَمَّا النَّقْل فلأَنَّ العَطْفَ يَقْتَضِي المُغَايَرَة، وأَمَّا العَقْل فلأَنَّ الفَكِهَةَ ما يَتَفَكَّهُ به ويُتَلَذَّذُ من غَيْرِ قَصْدِ الغذاءِ أَوِ الدَّوَاءِ، ولا شَكَّ أَنَّ التَّمْرَ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ الغِذاءِ، والرُّمَّانِ من جُمْلَةِ أَصْنَافِ الدَّوَاءِ.

  وَقَالَ شَيْخُنَا: هذَا كَلَامٌ لَيْسَ فيه كَبِيرُ جَدْوَى، وَلَيْسَ لِمِثْلِ المُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَقْوَالِهِ الَّتِي بَنَاهَا عَلَى أُصُولٍ لَا مَعْرِفَةَ للمصنِّفِ بِها، ولا لِمِثْلِ القَارِئِ أَنْ يَتَصَدَّى لِلْجَوَابِ عَنْهَا بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ مِنَ الرأْي المَبْنِي على مُجَرَّدِ الحَدسِ.


(١) عن اللسان، وبالأصل: «تفهمه».

(٢) في القاموس: ولا يقال لغيره.

(٣) اللسان.

(٤) الرحمن، الآية ٦٨.

(٥) في التهذيب: علمه.

(٦) البقرة، الآية ٩٨.