تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حصي]:

صفحة 326 - الجزء 19

  أَحْصَاها دَخَلَ الجنَّةَ»، اخْتُلِفَ فيه فقيلَ: من أَحْصَاهُ إِحْصاءً إِذا عَدَّهُ.

  وقالَ الراغبُ: الإِحْصاءُ التَّحْصِيلُ بالعَدَدِ يقالُ أَحْصَيتُ كذا، وذلِكَ في لَفْظِ الحَصَا واسْتِعْمالِ ذلِكَ مِن حيثُ أنَّهم كانوا يَعَتَمِدُونَ في العَدِّ كاعْتِمادِنا فيه على الأصابع؛ قالَ اللهُ تعالى: {وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً}⁣(⁣١) أَي حَصَّلَه وأَحاطَ به، انتَهَى.

  قالَ شيْخُنا: ثم صارَ حقيقَةً في مُطْلقِ العَدَّ والضَّبْطِ.

  وقالَ الأزهريُّ في تأْويلِ الحدِيثِ: من أَحْصاها عِلْماً بها وإيماناً بها ويَقِيناً بأَنَّها صِفاتُ اللهِ، ø، ولم يُرِد الإِحْصاءَ الذي هو العَدُّ.

  أَو أَحْصاهُ: حَفِظَهُ عن ظَهْرِ قَلْبِه؛ وبه فُسِّر الحدِيثُ أَيْضاً؛ وفي الحدِيثِ: «أَكُلَّ القُرْآن أَحْصَيْتَ»؟

  أَي حَفِظْتَ وقَوْله للمرأَةِ: أَحْصِيها أَي احْفَظِيها.

  أَو أَحْصاهُ: عَقَلَهُ؛ وبه فُسِّرَ الحدِيثُ أَيْضاً؛ أَي من عَقَلَ مَعْناها وتَفَكَّرَ في مَدْلولِها مُعْتبراً في مَعانِيها ومُتَدبِّراً رَاغِباً فيها ورَاهِباً؛ وقيلَ: مَعْناه مَنِ اسْتَخْرجَها مِن كتابِ اللهِ تعالى وأَحادِيثِ رَسُولهِ ، لأنَّ النبيَّ ، لم يعدّها لهم، إلَّا ما جاءَ في رِوايَةٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ: وتَكلَّموا فِيها.

  * قُلْت: وقد أَلَّفَ في رِوايَةِ أَبي هُرَيْرَةَ التَّقيُّ السّبكيّ رِسالَةً صغيرَةٌ بَيَّنَ فيها ما يَتَعلَّقُ بحالِ الرِّوايَةِ، وهي عِنْدِي.

  وأَمَّا قَوْله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}⁣(⁣٢)، أَي لنْ تُطِيقُوا عَدَّه وضَبْطَه.

  وفي الحدِيثِ: «اسْتَقِيمُوا ولنْ تُحْصُوا»، أَي لنْ تُطِيقُوا الاسْتِقامَةَ؛ وقيلَ: لنْ تُحْصوا ثَوابَه.

  والحَصاةُ: اشْتِدادُ البَوْلِ في المَثانَةِ حتى يَصِيرَ كالحَصَاةِ، وقد حُصِيَ الرَّجُلُ كعُنِيَ، فهو مَحْصِيٌّ؛ عن الليْثِ. والحَصاةُ: العَقْلُ والرَّأْيُ. يقالُ: فلانٌ ذُو حَصاةٍ وأصاةٍ، أَي عَقْل ورَأْي.

  وهو ثابِتُ الحَصاةِ: إذا كانَ عاقِلاً؛ وأَنشَدَ الجَوهرِيُّ لكَعْبِ بنِ سعْدٍ الغَنَويِّ:

  وأَنَّ لِسانَ المَرْءِ ما لم تَكُنْ له ... حَصَاةٌ على عَوْراتِهِ لَدَلِيلُ⁣(⁣٣)

  ونَسَبَه الأزهريُّ إلى طَرَفَة؛ أَي إذا لم يَكُنْ مع اللِّسانِ عَقْل يحجُزُه عن بَسْطِه فيمَا لا يُحَبُّ دَلَّ اللِّسان على عَيْبٍ بما يَلْفِظ به من عُورِ الكَلامِ.

  وقالَ الأصمعيُّ: الحَصاةُ فَعَلَةٌ مِن أَحْصَيْت.

  وقوْلُهم: ذُو حَصاةٍ: أَي حازِمٌ كَتومٌ يَحْفظُ سِرَّه.

  وهو حَصِيٌّ، كغَنيِّ وافِرُ العَقْلِ شَديدُه.

  والحَصْوُ: المَغَصُ في البَطْنِ؛ عن ابنِ الأعرابيِّ.

  والحَصْوُ: المَنْعُ، وأَنْشَدَ الجَوهريُّ للشاعِرِ، وهو بَشِيرٌ الفَريريُّ:

  أَلا تَخافُ اللهَ إذ حَصَوْتَني ... حَقِّي بِلا ذَنْبٍ وإذْ عَنَّيْتَنِي⁣(⁣٤)

  وحَصِيَ الشَّيءَ، كرَضِيَ: أَثَّرَ فيه؛ هكذا نَقَلَه الصَّاغانيُّ⁣(⁣٥) عن أَبي نَصْر؛ قالَ ساعِدَةُ بنُ جُوءَيَّة:

  فَوَرَّك لَيْناً أَخْلَصَ القَيْنُ أَثْرَه ... وحاشِكةً يُحْصي الشِّمالَ نَذيرُها⁣(⁣٦)

  قيلَ: يُحْصِي في الشِّمالِ يُوءَثِّرُ فيها.


(١) سورة الجن، الآية ٢٨.

(٢) سورة المزمل، الآية ٢٠.

(٣) الصحاح واللسان، ولم ينسبه في المقاييس ٢/ ٧٠ وقبله في الصحاح واللسان بيت آخر، والبيتان في التكملة، قال الصاغاني: وليس البيتان لكعب وإنما هما لطرفة، والبيت الشاهد في التهذيب والأساس منسوباً فيهما أيضاً لطرفة، وهو في ديوانه ط بيروت ص ٨١ من قصيدة مطلعها:

لهند بحران الشريف طلول ... تلوح وأدنى عهدهن محيلُ

(٤) اللسان والصحاح والمقاييس ٢/ ٦٩ وفيها: «عنّنتني».

(٥) في التكملة: «وحَصَى الشيءَ» ضبط قلم.

(٦) ديوان الهذليين ٢/ ٢١٦ وضبط يحصى بفتح الياء والصاد، والمثبت كضبط اللسان بكسرهما.