تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[لو]:

صفحة 406 - الجزء 20

  * السَّادسة: المَنْفِيُّ بِلا قد يكونُ وُجُوداً لاسْمٍ نحو: {لا إِلهَ إِلَّا اللهُ}، والمَعْنى لا إلَه مَوْجودٌ أَو مَعْلومٌ إلَّا الله، وقد يكونُ النَّفْي بِلا نَفْي الصِّحَّة وعليه حَمَلَ الفُقهاءُ: «لا نِكاحَ إلَّا بوَلِيٍّ»، وقد يكونُ لنَفْي الفائِدِةٍ والانْتِفاعِ والشّبَه ونحوِه، نحو: لا وَلَدَ لي ولا مالَ، أَي لا وَلَدَ يشْبُهني في خُلْقٍ أَو كَرَمٍ ولا مالَ أَنْتَفِعُ به؛ وقد يكونُ لنَفْي الكَمالِ، ومنه: لا وُضوءَ لمَنْ لم يُسَمِّ الله، وما يَحْتمل المَعْنَيَيْن فالوَجْه تَقْديرُ نَفْي الصحَّةِ لانَّ نَفْيها أَقْرَبُ إلى الحَقِيقَةِ وهي نَفْي الوُجودِ، ولأنَّ في العَمَلِ به وَفاء بالعَمَلِ بالمَعْنى الآخر دون عكس.

  * السَّابعة: قال ابنُ بُزُوْجَ: لا صَلاةَ لا رُكوعَ فيها، جاء بالتَّبْرِئةِ مَرَّتَيْن، وإذا أَعَدْتَ لا كقوله: {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ}⁣(⁣١) فأَنْتَ بالخِيارِ إنْ شِئْتَ نَصَبْتَ بِلا تَنْوينٍ، وإن شِئْتَ رفعْتَ ونَوَّنْتَ، وفيها لُغاتٌ كثيرَةٌ سِوَى ما ذَكَرْنا.

  * الثَّامنة: يقولونَ: الْقَ زَيْداً وإلَّا فلا، مَعْناه وإلَّا تَلْقَ زَيْداً فدَعْ؛ قالَ الشاعرُ:

  فطَلِّقْها فلَسْتَ لها بكُفْؤ ... وإلَّا يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسامُ⁣(⁣٢)

  فأَضْمَرَ فيه وإلَّا تُطَلِّقْها يَعْلُ، وغَيْر البَيانِ أَحْسَن.

  وسَيَأْتي قولهم إمَّا لا فافْعَل قرِيباً في بَحْثِ ما.

  * وممَّا يُسْتدركُ عليه:

  لِي [لِي]، بالكسْرِ: قال اللّيْثُ: هُما حَرْفانِ مُتَباينانِ قُرِنا واللامُ لامُ الملكِ والياءُ ياءُ الإضافَةِ.

  * قُلْتُ: وكَذلكَ القَوْلُ في لَنا ولَها ولَه فإنَّ اللَام في كلِّ واحِدَةٍ منها لامُ المُلْكِ والنونُ والألفُ والهاءُ ضَمائِرُ للمُتكَلِّم مع الغَيْر والمُؤَنَّث الغائِبِ والمُذكَّر، وهذا وإنْ كانَ مَشْهوراً فإنَّه واجِبُ الذِّكْر في هذا الموضِعِ.

  [لو]: لو: حَرْفٌ يَقْتَضِي في الماضِي امْتِناعَ ما يَلِيه واسْتِلْزامَهُ لتالِيهِ ثم يَنْتَفِي الثَّاني، إن ناسَبَ ولم يخلف المَقدَّم غَيْره، نحو: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا}⁣(⁣٣)، لا أنَّ الله خَلَفه؛ نحو: لو كانَ إنساناً لكانَ حَيَواناً، ويثبتُ إن لم يُنافَ وناسَبَ بالأولى: كلو لم يخف الله لم يَعْصِهِ⁣(⁣٤)، والمُساوَاة كلو لم تَكُنْ رَبِيبَتَه ما حَلَّتْ للرَّضاعِ؛ أَو الأَدْون كقولك: لو انْتَفَتْ أُخُوَةُ النَّسَبِ لما حَلَّتْ للرَّضاعِ، وهذا القَوْلُ هو الصَّحِيح من الأقوالِ.

  وقال سيبويه: لَوْ: حرفٌ لِمَا كانَ سَيَقَعُ لوُقوعِ غيرِهِ وقال غيرُه: هو حَرْفُ شَرْطٍ للماضِي ويَقلُّ في المُسْتَقْبل، وقيلَ: لمجرَّدِ الرَّبْط.

  وقال المبرِّدُ: لو تُوجِبُ الشيءَ مِن أَجْلِ وُقوعِ غيرِهِ.

  وفي اللّباب: لو للشَّرْطِ في الماضِي على أنَّ الثاني مُنْتَفٍ فيَلْزمُ انْتِفاءُ الأوَّل، هذا أَصْلُها وقد تُسْتَعْمل فيما كانَ الثَّاني مُثْبتاً ولطَلَبِها الفِعْل امْتَنَعَ في خَبَر أَنَّ الوَاقِعَة بَعْدَها أَنْ يكونَ اسْماً مُشْتقًّا، لإِمكانِ الفِعْل بخِلافِ ما إذا كانَ جامداً، نحو: {وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ}⁣(⁣٥)، انتَهَى.

  وقولُ المُتَأَخِّرِينَ مِن النّحويِّين: إنَّه حَرْفُ امْتِناع لامْتِناع، أَي امْتِناع الشَّيءِ لامْتِناع غيرِهِ؛ كما هو نَصُّ المُحْكم، أَو لامْتِناع الثاني لأجْل امْتِناع الأوَّل، كما هو نَصّ الصِّحاح؛ خَلَفٌ أَي مُخالفٌ فيه.

  قال المصنِّفُ في البَصائِرِ: وقد أَكْثَر الخائِضُونَ القَوْل في لو الامْتِناعِيَّةِ، وعِبَارَةُ سيبويه مُقْتضيَةٌ أَنَّ التالِي فيها كانَ بتَقْديرِ وُقُوعِ المُقدَّم قَرِيب الوُقُوعِ لإِتْيانِه بالسِّين في قولِه: سَيَقَعُ. وأَمَّا عِبارَةُ المعربين: أنَّها حَرْفُ امْتِناع لامْتِناعٍ فقد رَدَّها جَماعَةٌ مِن مشايخِنا المحَقِّقِين قالوا: دَعْوى دَلالَتِها على الامْتِناعِ مَنْقوضَةٌ بما لا قبل به، ثم


(١) سورة البقرة، الآية ٢٥٤.

(٢) البيت للأحوص، وهو في اللسان والتهذيب «إمّا لا ١٥/ ٤٢١» بدون نسبة، والشاهد ١١٠٥ من شواهد مغني اللبيب ذكره شاهداً على حذف جملة الشرط بدون الأداة، قال بعده: أي وإن لا تطلقها.

(٣) سورة الأنبياء، الآية ٢٢.

(٤) هو قول عمر في صهيب، قال: نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه.

(٥) سورة لقمان، الآية ٢٧.