تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[برح]:

صفحة 9 - الجزء 4

  [برح]: البَرْحُ، بفتح فسكون: الشِّدَّةُ والشَّرُّ والأَذَى والعَذابُ الشَّديدُ والمَشَقَّةُ. والبَرْحُ: ع باليَمَنِ. ويقال: لَقِيَ منه بَرْحاً بارِحاً، أَي شدَّةً وأَذًى، مُبالَغَةٌ وتأكيد، كلَيْل أَلْيَلَ، وظِلٍّ، وكذا بَرْحٌ مُبْرِحٌ. فإِنْ دَعَوْتَ به فالمختار النَّصْب، وقد يُرْفَع. وقول الشاعر:

  أَمُنْحدِراً تَرْمِي بك العِيسُ غُرْبَةً

  ومُصْعِدةً؟ بَرْحٌ لِعَيْنَيْكَ بارِحُ

  يكون دُعاءً، ويكون خَبَراً.

  وفي حديث أَهلِ النَّهْرَوانِ: «لَقُوا بَرْحاً»، أَي شِدَّةً. وأَنشد الجوهريّ:

  أَجدَّك، هذا عَمْرَك الله كُلَّما

  دَعاكَ الهَوَى، بَرْحٌ لعينيكَ بارِحُ

  ولَقِيَ منه البُرَحِينَ، بضمّ الباءِ وكسر الحاءِ. على أَنه جمعٌ، ومنهم من ضَبطه بفتحِ الحاءِ على أَنه مثنًّى، والأَوّل أَصْوبُ، وتُثَلَّث البَاءُ، - مُقتضَى قاعدِته أَن يُقَدَّرَ بالفتح، ثم يُعْطَف عليه ما بعده، كأَنه قال: البَرَحينَ، بالفتح، ويُثلَّث، فيقتضي أَن الفَتْحَ مُقدَّمٌ.

  قال شيخُنا: وهو ساقطٌ في أَكثر الدَّواوينِ، لأَنّ المعروف عندهم فيه هو صّمُّ الباءِ وكَسْرُها، كما في الصّحاح وغيره، والفتح قَلَّ مَنْ ذَكَره، ففي كلامه نَظَرٌ ظاهرٌ.

  قلت: الفَتْحُ ذكرَه ابنُ منظورٍ في اللسان، وكفى به عُمْدَةً، فلا نَظَرَ في كلامه - أَي الدَّواهِيَ والشَّدائدَ، وعبارة اللسان: «أَي الشِّدّة⁣(⁣١) والدَّواهِيَ، كأَنّ واحِدَ البِرَحِين بِرَحٌ، ولم يُنْطَق به، إِلّا أَنهُ مقدَّرٌ، كأَن سبيله أَن يكون الواحدُ بِرَحَةً، بالتأَنيث، كما قالوا داهِيَةٌ، فلما لم تَظهر الهاءُ في الواحد جَعلوا جْمعَه بالواو والنُّون عِوَضاً مِن الهاءِ المقدّرة، وجَرَى ذلك مَجْرَى أَرْضٍ وأَرَضِينَ. وإِنّما لم يَستعملوا في هذا الإِفرادَ، فيقولوا: بِرَحٌ، واقتصروا فيه على الجَمْع دون الإِفراد من حيثُ كانوا يَصِفون الدَّوَاهيَ بالكثرةِ والعُمومِ والاشتمال والغَلَبةِ. والقَوْلُ في الأَقْوَرِينَ⁣(⁣٢) كالقول في هذه.

  وبُرْحَةُ كلِّ شيْءٍ خِيارُه⁣(⁣٣). ويقال: هذه بُرْحَةٌ من البُرَحِ، بالضَّمّ فيهما، أَي ناقةٌ من خِيارِ الإِبلِ.

  وفي التهذيب: يُقال للبعير: هو بُرْحَةٌ من البُرَحِ: يريد أَنّه من خِيارِ الإِبلِ.

  والبارِحُ: الرِّيحُ الحارَّةُ، كذا في الصحاح. قال أَبو زيد: هو الشّمال في الصَّيْف خاصَّةً، ج بَوارِحُ. وقيل: هي الرِّياحُ الشَّدائدُ التي تَحمِل التُّرابَ في شِدّةِ الهُبوب، قال الأَزهريّ: وكلامُ العربِ الّذين شاهدْتهم على ما قال أَبو زيدٍ. وقال ابنُ كِنَاسَةَ: كلُّ رِيحٍ تكون في نُجومِ القَيْظِ فهي عند العرب بَوارِحُ. قال: وأَكثرُ ما تَهُبُّ بنُجومِ المِيزانِ، وهي السَّمائِمُ. قال ذو الرُّمّة:

  لا بَلْ هُو الشَّوْقُ مِن دَارٍ تَخَوَّنَها

  مَرّاً سَحَابٌ ومَرّاً بارِحٌ تَرِبُ

  فنَسَبها إِلى التُّرابِ لأَنّها قَيْظيَّة لا رِبْعيّة. وبَوارِحُ الصَّيف كُلُّها تَرِبَةٌ.

  والبارِحُ من الصَّيْدِ، من الظِّباءِ والطَّيْر والوَحْش: خِلافُ السَّانِحِ، وقد بَرَحَتْ تَبْرُحُ بُرُوحاً، وهو ما مَرّ من مَيامِنِك إِلى مَياسِرِك، والعرب تَتَطيَّر به، لأَنّه لا يُمكِّنك أَن تَرْمِيَهُ حتّى تَنْحَرِفَ. والسَّانِحُ: ما مَرَّ بين يَديْك من جهةِ يَسارِك إِلى يَمينك، والعَرب تَتَيَمَّنُ به، لأَنه أَمْكَنَ للرَّمْي والصَّيدِ.

  وفي المَثَل: «مَنْ لي بالسَّانِح بعد البَارِح». يُضْرَب للرَّجُل يُسِيءُ [الرجلَ]. فيقال: [له]⁣(⁣٤): إِنه سوف يُحسِنُ إِليك، فيُضْرَب هذا المَثلُ. وأَصْلُ ذلك أَنّ رَجلاً مرَّتْ به ظباءٌ بارِحَةٌ، فقيل له: إِنّها سَوْفَ تَسْنَح لك. فقال: «مَنْ لي بالسَّانِح بعدَ البَارِحِ؟»، كالبَرُوحِ والبَرِيحِ كَصَبورٍ وأَمير.

  والعرب تقول: فعَلْنَا البارِحَةَ كذا وكذا، وهو أَقْرَبُ ليلةٍ مَضَتْ، وهو من بَرِحَ: أَي زَالَ، ولا يُحَقَّر. قال ثَعلَبٌ: حُكِيَ عن أَبي زيد أَنه قال: تُقول مُذْ غُدْوَةٍ إِلى أَن تزولَ الشّمسُ: رأَيْتُ الليلةَ في مَنامي، فإِذا زالَتْ قلتَ: رأَيتُ البارِحةَ. وذكر السِّيرافيّ في أَخبار⁣(⁣٥) النُّحاة عن يُونس قال:


(١) في اللسان: الشدائد.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: والقول الخ، عبارة اللسان: والقول في الفتكرين والأقورين الخ».

(٣) هو قول أبي عمرو كما في التهذيب.

(٤) زيادة عن اللسان.

(٥) عن اللسان، وبالأصل «اختيار».