تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نصح]:

صفحة 230 - الجزء 4

  أَو نَشَح، إِذا شَربَ حَتَّى امْتَلأَ، فهو ضدُّ. ونَشَحَ بَعِيرَه: سقاه ماءً قليلاً، ونشَحَ الخَيْلَ: سقاها ما يِفْثَأُ، أَي يكسر غُلَّتَها، قال الأَزهريّ: وسمعْتُ أَعرابِيًّا يقول لأَصحابه: أَلَا وانْشَحُوا خَيلَكم نَشْحاً، أَي اسقُوهَا سَقْياً يَفْثَأُ غُلَّتَها وإِنْ لم يُرْوِهَا. قال الرّاعِي يذكر ماءً ورَدَه:

  نَشَحْتُ بها⁣(⁣١) عَنْساً تَجَافَى أَظَلُّهَا

  عن الأُكْمِ إِلَّا ما وَقَتْهَا السَّرَائحُ

  والنَّشُوحُ كَصَبور: الماءُ القليلُ وأَنشد الجوهريُّ:

  حتّى إِذا ما غَيَّبَتْ نَشُوحَا

  وهو قولُ أَبي النَّجْم يَصف الحَمُر، ومعناه: أَي أَدْخَلَت أَجْوَافَهَا شرَاباً غيّبَتْه فيه.

  والنُّشُحُ، بضمّتَيْن: السُّكَارَى، قال شيخُنَا يُنظرُ ما مُفْرَدُه، أَو لا مُفرَدَ له.

  قلت: الذي يظهر أَنّ مفرَدَه نَشُوحٌ، لما عُرِف مما تقدّم من معنى قولِ أَبِي النَّجم.

  وسِقَاءٌ نَشَّاحٌ، ككَتَّانٍ، أَي رَشَّاحٌ مُمْتليءٌ نَضَّاحٌ.

  * ومما يستدرك عليه:

  النَّشْحُ العَرَق، عن كُراع.

  ونَشَحْتُ المالَ جُهْدِي: أَقْلَلْتُ الأَخذَ منه، وقد وَرد ذلك في حديث أَبي بكْرٍ ¥(⁣٢).

  [نصح]: نَصَحَه ينصَحُهُ، ونصَحَ لَهُ، كمنَعَه - وباللام أَعلَى، كما صرَّح به الجوهريّ وغيره، وهي اللُّغَة الفُصْحَى. قال أَبو جعفر الفِهْرِيّ في شرح الفصيح: الأَصل في نَصَحَ أَن يَتَعَدَّى هكذا بحرفِ الجرّ، ثم يُتَوَسَّع في حذْف حرْف الجرّ فيصِل الفعلُ بنفْسه. فتقول: نَصحْت زيداً. وقال الفَرّاءُ في كتاب المصادر له: العربُ لا تكاد تقول نَصَحْتُك، إِنّمَا يقولونَ نَصَحْتُ لك، وقد يقولون نَصحْتُك يريدون نَصحْت لك. قال النابغة:

  نَصَحتُ بَنِي عَوفٍ فلم يَتقَبَّلوا

  رَسُولِي ولَم تَنْجَح إِليهم وَسَائِلي

  وقال ابنُ دُرُسْتويْه: هو يَتعَدَّى إِلى مفعولٍ واحدٍ، نحْو.

  قَولك نَصحْت زيداً، وإِذا دخلَت اللّامُ صارَ يَتعدَّى إِلى اثنين، فتقول: نَصحْت لزيدٍ رَأْيَه. وقد يُحذَف المفعول إِذَا فُهِم المعنَى، فتقول: نَصحْت لزيدٍ، وأَنت تريد نَصحْت لزيدٍ رَأْيَه، وتحْذف حرْفَ الجرِّ من المفعول الثاني، فيَتَعدّى الفِعل بنفسه إِليهما جميعاً، فتقول ... نصحْتُ زيداً رأْيَه. قال أَبو جعفر: وما قاله ابنُ دُرُسْتويه من أَنّ نَصحْت يَتعدَّى إِلى اثنين أحدهما بنفْسه والثاني بحرْف الجرّ، نحْو نصَحْت لزيدٍ رأْيَه، دَعْوَى، وهو مُطَالَب بإِثباتها، ولو كان يَتعدَّى إِلى اثنين لسُمِع في مَوضع ما، وفي عدم سماعه دليلٌ على بُطلانه. قال شيخُنا ¦: وهو كلامٌ ظاهرٌ، وابن دُرُسْتويه كثيراً ما يَرتكِب مثْلَ هذه التمحُّلات: وقد ذَكَر مثْل هذا في شكر وقال: تقديره شكَرْت نعْمَته. وأطال في تقريره - نُصْحاً بضمّ فسكون، ونَصَاحَةً، كَسَحَابة، ونِصَاحَةً، بالكسر، أَوردَه صاحبُ اللّسان، ونَصَاحِيَةً، كَكَرَاهِيَة، ونُصُوحاً، بالضّم، حكاه أَربابُ الأفعال، ونَصْحاً، بفتح فسكون، أورَده صاحب اللِّسان. وهو ناصحٌ ونَصِيحٌ، من قَوم نُصَّحٍ، بضمّ فتشديدِ ونُصَّاح، كُرمّان، ونُصَحاءَ.

  ويقال: نَصَحْتُ له نَصيحتي نُصُوحاً، أَي أَخلَصْتُ وصَدَقْت، والاسمُ النَّصيحَة.

  قال شيخنا: الأَكثر من أَئمّة الاشتقاق على أَنّ النُّصْح تَصفية العَسلِ وخِياطة الثّوبِ، ثم استُعمِل في ضدِّ الغِشّ، وفي الإِخلاصِ والصدق كالتَّوبةِ النَّصوحِ. وقيل: النُّصْحُ والنَّصِيحةُ والمُنَاصَحةُ: إِرادةُ الخَيْرِ للغَيرِ وإِرْشَادُه له، وهي كلمةٌ جامعةٌ لإِرادةِ الخَيْر. وفي النهاية: النَّصِيحَة كلمةٌ يُعبَّر بها عن جُملةٍ، هي إِرادة الخيرِ للمَنصوح له، وليس يُمْكن أَن يُعبَّر عَن هذا المعنَى بكلمةٍ واحدة تَجمَع مَعناه غيرها.

  وقال الخَطّابيّ: النَّصِيحَةُ كلمةٌ جامعةٌ معنَاهَا حِيازةُ الحَظّ للمَنصوح له. قال: ويقال هو من وَجِيزِ الأَسماءِ ومختَصَر الكلامِ، وأَنّه ليس في كلام العرب كلمةٌ مفردة تُسْتَوفَى بها


- صرائرها. والحقب: جمع أحقب وحقباء وهو الحمار الوحشي الذي في بطنه بياض، أو الأبيض موضع الحقب.

(١) الذي في التكملة: به.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية: «ولفظ الحديث كما في اللسان: وفي حديث أبي بكر قال لعائشة ®: انظري ما زاد من مالي فرديه إِلى الخليفة بعدي، فإِني كنت نشحتها جهدي».