تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[رحم]:

صفحة 274 - الجزء 16

  تَرَاجَمُوا⁣(⁣١) بالحِجارَةِ: تَرامَوْا بها، وارْتَجموا مِثْلُ ذلِكَ عن ابنِ الأعْرَابيِّ وأَنْشَدَ:

  فهي تَرامى بالحَصَى ارْتِجامها

  وتَراجَمُوا بالكَلامِ: تسابّوا، وهو مجازٌ؛ والمُراجَمَةُ مِثْل ذلِكَ.

  والرُّجُومُ بالضمِّ، الرُّجُمُ فهو إذاً مَصْدرٌ، وبه فُسِّرت الآيَةُ أَيْضاً (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ).

  وبَعيرٌ مِرْجَمٌ، كمِنْبَرٍ: يَرْجُمُ الأرضَ بحَوافِرِه، وهو مَدْحٌ.

  وقيلَ: هو الثَّقيلُ مِن غيرِ بُطْءٍ، وقد ارْتَجَمَتِ الإبِلُ وتَراجَمَتْ.

  وقالَ أَبو عَمْرٍو: الرِّجامُ: الهِضَابُ، واحِدُها رُجْمةٌ.

  والرَّجْمَةُ، بالفتحِ: المَنارَةُ شِبْه البَيْتِ كانوا يَطُوفُونَ حَوْلَها؛ قالَ:

  كما طافَ بالرَّجْمَةِ المُرْتَجِمْ

  ورجمَ القَبْرَ تَرْجِيماً: وَضَعَ عليه الرَّجَم؛ وبه فُسِّر حدِيْثُ عبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه، الذي سَبَقَ ذِكْرُه.

  قالَ الجوْهَرِيُّ: والمُحَدِّثونَ يقُولُونَ: لا تَرْجُمُوا قبْرِي، والصَّحِيحُ أنَّه مُشدَّدٌ.

  ولسانٌ مِرْجَمٌ، كمِنْبَرٍ، إذا كانَ قَوَّالاً.

  وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: دَفَعَ رجلٌ رجُلاً فقالَ: لتَجِدنِّي ذا مَنْكِبٍ مِرْحَم⁣(⁣٢) ورُكْنٍ مِدْعَم ولِسانٍ مِرْجَم، أَي شَدِيد.

  والرَّجائِمُ: الجِبالُ التي تَرْمي بالحِجارَةِ، واحِدُها رَجِيمةٌ.

  وهَضْبُ الرَّجائِمِ: مَوْضِعٌ في قوْلِ أَبي طالِبٍ:

  غِفارِية حَلَّتْ بِبَوْلانَ حَلَّةً ... فَيَنْبُعَ أَو حَلَّتْ بهَضْبِ الرَّجائم⁣(⁣٣)

  وجاءَتِ امْرأَةٌ تَسْتَرْجِمُ النبيَّ، ، أَي تَسْأَلُه الرَّجْم. والمِرْجَمَةُ، كمِكْنَسَةٍ: القذَّافَةُ، والجَمْعُ المَرَاجِمُ؛ وتَراجَمُوا بها تَرَامَوْا.

  ومراجِمُ بنُ سُلَيْمان: جَدُّ أَبي هَارُون موسى بن عيسى المُؤَذِّن البُخارِيّ الرَّاوِي عن سُفْيان بن وَكِيْع.

  [رحم]: الرَّحْمَةُ، بالفتحِ، ويُحَرَّكُ، حَكَاه سِيْبَوَيْه: الرِّقَّةُ.

  قالَ الرَّاغبُ: الرَّحْمَةُ: رِقَّةٌ تَقْتضِي الإحْسانَ إلى المَرْحومِ، وقد تُسْتَعْملُ⁣(⁣٤) تارَةً في الرِّقَّةِ المُجَرَّدَةِ، وتارَةً في الإحْسانِ المُجَرَّدِ عن الرِّقَّةِ نَحْو: رَحِمَ اللهُ فُلاناً؛ وإذا وصفَ به البارِي فليسَ يُرادُ به إلَّا الإحْسانُ المُجَرَّد دوْنَ الرِّقَّةِ؛ وعلى هذا رُوِي: أَنَّ الرَّحْمةَ مِن اللهِ انْعامٌ وافضالٌ ومِن الآدَمِيِّين رِقَّةٌ وتَعَطّفٌ، وعلى هذا قَوْله، ذاكِراً عن رَبِّه «أَنَّه لمَّا خَلَق الرَّحِمَ قالَ: أَنا الرَّحْمنُ وأَنْتَ الرَّحِم، شَقَقْت اسْمَك من اسْمِي فمَن وَصَلَكَ وَصَلْته ومَن قَطَعَك قَطَعْته»⁣(⁣٥)، فذلِكَ إشارَةٌ إلى ما تقدَّمَ، وهو أَنَّ الرَّحمةَ مُنْطَويةٌ على مَعْنَيَيْن: الرِّقَّةُ والإحْسانُ، فرَّكَّزَ تعالَى في طبائِعِ الناسِ الرِّقَّةَ وتَفَرَّدَ بالإِحْسانِ فصارَ⁣(⁣٦) كما أَنَّ لَفْظَ الرَّحِمِ، مِن الرَّحْمةِ، فمعْناهُ المَوْجودُ في الناسِ مِن المعْنَى المَوْجودِ للهِ فتَناسَبَ مَعْناهُما تَنَاسُبَ لَفْظيهما. انتَهَى.

  وقال الحراليُّ: الرَّحْمةُ نحلةُ ما يوافي المَرْحُوم في ظاهِرِه وباطِنِه، أَدْناه كَشْف الضُّرّ وكَفّ الأَذَى، وأَعْلاه الاخْتِصاص برَفْعِ الحِجابِ.

  وقالَ القاشانيّ: الرَّحْمةُ على قسْمَيْن: امْتِنانِيَّةٌ ووُجُوبيَّةٌ؛ فالامْتِنانِيّة هي الرَّحْمَة المُفيضةُ للنّعَمِ السابِقَةِ على العَمَلِ وهي التي (وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)؛ وأَمَّا الوُجوبيَّةُ فهي المَوْعودَةُ للمُتَّقِيْن والمُحْسِنِيْن في قوْلِه تعالَى: {فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}⁣(⁣٧)؛ وفي قوْلِه تعالَى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}⁣(⁣٨)؛ قالَ: وهي دَاخِلَةٌ في الامْتِنانِيَّة لأنَّ الوَعْدَ بها على العَمَلِ مَحْضُ المنَّة.


(١) بالأصل: «لا تراجموا» والمثبت بحذف «لا» موافق للسان.

(٢) في اللسان «مرجم».

(٣) اللسان.

(٤) عن المفردات وبالأصل «يستعمل».

(٥) عن المفردات: ومن قطعك بتتُّه.

(٦) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: فصار الخ كذا بالنسخ وليس بظاهر فحرره» وهي نفس عبارة المفردات.

(٧) الأعراف الآية ١٥٦.

(٨) الأعراف الآية ٥٦.