كتاب شواهد الصنع والدلالة على وحدانية الله وربوبيته
  في الذكور والإناث، من الشهوة ما يكون سببا للإحداث، وجعل لذلك أماكن غير مشتبهة يصلح بعضها لبعض، بتقدير الحكيم، المدبر الحي العليم، وجعل في تلك الأماكن مسالك لنطف الذكور، إلى أماكن الحكمة والتصوير.
  فالفصل(١) من الأصلاب إلى الأرحام، بتدبير ذي الجلال والإكرام، نطف أقرها الله بقدرته، وأثبتها بمشيئته، إلى أجل معلوم، ووقت من الأوقات مفهوم، به أخرج تلك النطف بعد نطوفيتها(٢) وموتها أطفالاً صغاراً، قد شق لهم أسماعاً وأبصاراً، وأخرجهم سبحانه من بطون أمهاتهم لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يقدرون للآفات والمضار دفعاً ولا منعاً، ولا يعقلون بصراً ولا سمعاً، ولا يهتدون سبيلاً، ولا يملكون عقولاً.
  وعلم ø أنهم لا يقومون، ولا يحيون ولا ينمون، إلا بما ركبهم عليه من الأغذية واللذات، وقوام الأجساد المجسمات، وأنهم يضعفون بصغرهم عن المآكل التي لا تصلح للأطفال، فجعل لهم قبل [كبرهم](٣) أغذية في أجساد أمهاتهم، لعلمه بضعفهم وفاقتهم، وجعل في قلوبهن رحمة لهم فأحياهم بذلك وقواهم، وكفلهم به وأغناهم، وأنبتهم به وأنماهم(٤)، وأنعم(٥) بذلك وغذاهم، وشد أسرهم وقواهم، وأعطاهم العقول فهداهم، ثم أمرهم ونهاهم، بعد أن بصَّرهم هداهم، فأي عجيب أعجب مما ذكرنا؟! وأي حكمة
(١) في (ب): بفضل من الأصلاب.
(٢) في (ب): بعد توقيتها.
(٣) في المخطوطتين (أ، ب): كونهم، ولعل الصحيح ما أثبته بين المعكوفين.
(٤) في (ب): فأنماهم.
(٥) في (ب): وأنعم عليهم بذلك.