باب الدلالة على صنع الله في الحيوانات
  وإن رجعت إلى الحق فقلت: بل هو(١) في الحيوانات ما لا ينكره عاقل، ولا يكابر فيه عالم ولا جاهل، لم يخل العقل من أن يكون شاهداً على أن هذه الحكمة من صفة حكيم، أو شاهداً على أنها من صفة جاهل موات غير عالم، أو شاهداً على أنها من صفة معدوم، فهذا محال، لأنك جعلت للعدم صفة وهي الحكمة، فجعلت العدم حكيماً، فأثبت موجوداً والعدم لا شيء، ولا شيء لا يوصف بالحكمة ولا الجهل، ولا يوصف بالتدبير ولا العقل.
  وأيضاً فقد أوجبت الحق بإثباتك؛ إذ لا تكون الصفة إلا لموصوف(٢)، ثم نقضت قولك بإثباتك للمعدوم والعدم ليس بمجهول ولا معروف.
  وإن قلت: إن الحكمة من صفة موات جاهل، فهذا ما لا يقول به من الخلق عاقل، ولا يراه من الناس إلا غافل، لأن من صفة الموات الجهل، وبطلان الحكمة والعقل، وما كان من الأشياء جاهلاً، وكان عن التدبير حايراً غافلاً، لم يكن حكيماً ولا عاقلاً، وما كان بالموت والغفلة موصوفاً، وكان بالعجز والجهل معروفاً، فيستحيل أن تكون منه حكمة بالغة، ونعمة جليلة سابغة، لأن الحكمة هي الإحكام، والكرم والتفضل والإنعام(٣)، وإذا بطل أن يكون ذلك من العدم المعدوم، وبطل أن يكون من موات غير عليم، صح الوجه الثالث وهو الله العليم الحكيم.
  ودليل آخر: إما أن تكون هذه الحكمة تولدت من طبائع قديمة حية مدبِّرة،
(١) في (ب): فقلت بل في الحيوانات.
(٢) إذ لا يكون إلا لموصف ثم نقضه قولك.
(٣) في المخطوطة: والكرم والتفضل والإنعام ولعل والصحيح ما أثبته لأنه ¥ يذكر تعريف الحكمة والكرم.