باب الرد على أصحاب الكون
  قيل له ولا قوة إلا بالله: تأليف الأجزاء وإحكامها، وتقديرها وإتقانها تدل على صنعها، إذ لم يكن شيء من ذلك، فقضينا على أن لكل مؤلف كان معدوم التأليف مؤلفاً، ونظرنا الحياة بعد الموت فعلمنا بيقين أن له محيياً، إذ لم نجد صنعاً إلا وصانعه موجود وإن لم نره، كالبناء لا بد له من بانٍ وإن لم نر مَن بناه، والكتاب لا بد له من كاتب وإن لم نر كاتبه، والأثر [له مؤثر] وإن لم نر مؤثِّره، والصوت إذا سمعناه علمنا أن له مصوتاً وإن لم نره.
  ودليل آخر: وهو أن صنع الحكيم العالم بيِّن، ومحال أن يكون(١) في العلل إبانة صنع، وذلك أن الحكمة لا تكون إلا من حكيم، ولا بيان علم إلا من عليم، وهو الله الرحمن الرحيم، لأنا نظرنا الإنسان إنساناً كاملاً بعد أن كان نطفة من ماء مهين، فعلمنا أنه لا بد له من مكمِّل أكمله، ونظرنا إليه حياً بعد أن كان ميتاً، سميعاً بصيراً بعد أن لم يكن سميعاً ولا بصيراً.
  فبان صنع العالم الحكيم، إذ جعل سبحانه [له] سمعاً يدرك به الأصوات، وبصراً يدرك [به] الهيئات، وشماً يدرك به جميع الروائح الخبائث والطيبات، وذوقاً يدرك به ما ذاق به من الطعوم المختلفات، ولمساً بالجسد كله يدرك به الحر والبرد، والخشن واللين وغيرهما من الأحوال المجسمات، فكل هذه الحواس المختلفة تدل على حكمة صانعها إذ خالف بينها، فجعل كل حاسة تصلح لخلاف ما تصلح له الآخرى.
  ودليل آخر: لا تخلو هذه المختلفات(٢) من أحد وجهين:
  [١]: إما أن تكون خالفت بين أنفسها.
  [٢]: وإما أن تكون خالف بينها مدبرها.
(١) في (ب): من العلل.
(٢) في (ب): هذه الحواس المختلفات.