مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

كتاب الرد على الملحدين وغيرهم من فرق الضالين

صفحة 195 - الجزء 1

  فإن كانت خالفت بين أنفسها فهذا محال، لأنها لم تكن واعية عند كونها، ولا عالمة في حال عدمها، فلما استحال هذا الوجه صح الثاني وهو أن لها مدبراً خالف بينها، إذ الفاعل الحكيم بين صنعه في إحداثها، وجعل كل⁣(⁣١) واحدة من هذه المختلفات لشيء بعينه، ولا يجعل الشيء للشيء إلا حكيم، ولا يجعل الشيء للضرورات إلا عليم.

  ألا ترى أن هذه الحواس جُعلت لعلم جاعلها بضرورة أصحابها إليها وفاقتهم لها، وجعل سبحانه لهم من الأغذية واللذات ما لا قوام له⁣(⁣٢) باضطرار إلا بها، وجعل لهم مداخل للأغذية ومخارج، ولا يجعل المخارج للشيء إلا عالم بما صنع من المداخل التي لا قوام لهم إلا بها، ولا منصرف لهم عنها، إذ اضطرهم إليها، وجعل لهم ما ينتفعون به من الآلات والأدوات من الأيدي التي تصلح للبطش، والأرجل التي تصلح للخَطَفَى⁣(⁣٣) والحركة والسير، والألسن الناطقة بأفنان الحكمة المؤدية للمصلحة، والعقول المميزة النافرة عن المضار المجتلبة للمنافع، التي هي حجج على من جُعلت له.

  ولا تكون حكمة محدثة صح حدثها وبطل قدمها، وكانت بعد [عدمها]⁣(⁣٤) إلا من حكيم، مدبِّر عليم، حي قيوم، ولا يجعل ذلك إلا لبقائه ونفعه، لا لفنائه وضره، إذ الحكمة موجبة لذلك فيما قد بان من رأفة الصانع، إذ جعل في المصنوعات مصالح تدل على أنه أراد بذلك لها، وأخبر بذلك على


(١) في (أ): لكل، والصواب ما أثبتناه من (ب).

(٢) في (ب): لهم.

(٣) الخَطَفَى: أي السرعة في السير أفاده في القاموس. تمت.

(٤) في (أ): بعدمها. والصحيح: بعد عدمها. وهو ما أثبتناه بين المعكوفين من (ب).