كتاب التوحيد والتناهي والتحديد الجزء الأول
  تناهيه وتحديده، وأن الله مخترعه ومريده.
  فإن رجع إلى مكابرة(١) عقله، وسأل عن المحال بفاحش جهله، فقال: وما أنكرت من أن يكون الهواء قديماً قبل إقامته، أو أن يكون متحركاً في حال العدم(٢) قبل سكونه؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك لأنه لا ينفك من الإقامة أصلاً، لأنه إن تحرك فهو مقيم على الحركة، ولا بد لإقامة الحركة من كثرة أو قلة، ولا بد لها من تبعيض أو كلية، ولا بد إن شاء الله من الكلام، والرد على من توهم حركته في سالف الأيام.
  فنقول ولا قوة إلا بالله: إن قولك بحركته هو ما يدل على تناهيه وغايته، ويوضح ما قلنا به من حدوث أوليته، وذلك أنه لو كان قبل سكونه متحركاً، ثم وجد بعد ذلك من الحركة منفكاً، لكان لتلك الحركة آخر ومنقطع، وللسكون بدء ومبتدع، وإذا صح أن لحركته انقطاعاً، ولسكونه حدثاً وابتداعاً، صح أن الحركة قد انقطعت كلها، وأبطل آخرها وأولها، وانتفى قدمها وأزلها.
  فإن قال: هل للفضاء حدود يتناهى إليها وأماكن يعتمد عليها؟
  قيل له ولا قوة إلا بالله: نعم له حدود متناهية، وأطراف متباعدة مباينة.
  وأما قولك: هل له أماكن؟ فيحتمل وجهين:
  إما أن تكون أردت به الجهات
(١) في (ب): إلى المكابرة لعقله.
(٢) في (ب): القدم.