كتاب التوحيد والتناهي والتحديد الجزء الأول
  لأنك إذا أردت أن يخلق الهواء قبل أن يخلقه، لم يَخلُ أن(١) يكون يخلقه قبل أن يكون يخلقه بقليل أو كثير من الأوقات، ومقادير الأزمنة والساعات ومحال أن يكون الوقت قبل الهواء، لأنهما خلقا معاً فكان الوقت(٢) إقامة الهواء، وجعلت أنت أيها السائل صفة الهواء قبله، ومحال أن تكون الصفة قبل الموصوف.
  وإذا صح حدث الهواء بدلائل الحركة والسكون اللذين هما الأوقات، وهما حقيقة الأزمنة والساعات، فقد صح حدث العلل والمعلولات، لأن كل علة أو معلول، أو دقيق من الصنع أو جليل، لا يكون إلا جسماً أو عرضاً، ومتحركاً زائلاً، أو ساكناً مقيماً، مجتمعاً أو مفترقاً، والعرض لا يوجد إلا في جسم، والجسم محدث، وما لا يوجد إلا بوجود المحدثات فهو محدث مثلها، بل هو أضعف منها، إذ(٤) كانت هي توجد بأنفسها، والعرض لا يوجد إلا بوجودها، ولا يثبت إلا بعد عدمها.
  والدليل على التناهي والتحديد، فأقرب ما يكون من الحدث(٥) الموجود، وتفسير ذلك أن الله سبحانه خلق الأشياء كلها، وإذا صح حدث جميعها فقد تناهت بصحة ابتداع بدائعها(٦)، لأن ما صح ابتداعه، وبدا صنعه واختراعه، فقد تناهى حَدثُ أوله، وفرغ(٧) الصانع من آخره، والفراغ(٨) نهاية، وإنما هذا
(١) في (ب): لم يخل من أن يخلقه قبل أن يخلقه.
(٢) في (ب): وكان الوقت هو إقامة.
(٣) في (ب): الواو ساقط.
(٤) في (ب): إذا كانت توجد بأنفسها.
(٥) في (ب): من المحدثات.
(٦) في (ب): بديعها.
(٧) في (ب): وفروغ الصانع من آخره.
(٨) في (ب): وللفراغ.