كتاب الأسرار
  قيل له ولا قوة إلا بالله أحكم الحاكمين: ليس يتناقض قول أرحم الراحمين ولا يختلف كتاب رب العالمين، وإنما اختلف عندك، لجهلك للتأويل وقلة معرفتك الله الواحد الجليل، وضعف تمييزك لعجائب التمييز، وتفسير ذلك عند أهله أحسن التفسير، وسنبين ما سألت عنه من قول رب العالمين، ونفرق بعون الله بين السخاء والتبدير.
  أما قوله ø في الأنصار {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٩}[لحشر: ٩] فإن الله ø لم يكلفهم ذلك لعلمه بضعف العباد، ولم يأمرهم بالبخل والدناءة والفساد بل أمرهم سبحانه بالإنفاق ونهاهم عن البخل والشح والنفاق، ولم يرد منهم الذي فعلوا ولم ينههم، فلما فعلوه لوجه الله مدحهم ولم يرد منهم أن يهينوا أنفسهم وعيالهم فقال سبحانه رحمة لعباده وتخفيفاً عنهم: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ٦٧}[الفرقان: ٦٧] يريد أنهم غير معاقبين، وأنهم إذا توسطوا في النفقة غير معذبين، فماذا على الله إن مدح الصابرين إذا كانوا لغيرهم على أنفسهم مؤثرين، وماذا عليه إذا خفف عن عباده ما يستثقلون وكلفهم من النفقة قدر ما يطيقون.
  ثم قال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[النساء: ٥] يريد ø من عباده المؤمنين أن لا يعطوا أموالهم كلها أهل السفه في العقول والدين فيكونوا إلى هلاك أنفسهم وعيالهم آثمين، ويكونوا بعد هلاك أموالهم هالكين، ثم نهاهم عن البخل في آخر الآية، فقال سبحانه: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ٥}[النساء: ٥].