مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني،

الحسين بن القاسم العياني (المتوفى: 404 هـ)

كتاب مختصر في التوحيد

صفحة 484 - الجزء 1

  وإن قلت: إنه وكل في حال وجوده فالتوكيل فعل الموكل وهو الله سبحانه إذ ليس في طبع الموكّل أن يصنع نفسه ولا غيره، وفي هذه المسألة من الدلائل ما لا يخفى على أحد، فاعلم ذلك. ألا ترى أن النطفة لو وكلت بتصوير نفسها لم تخل من أحد وجهين: إما أن تكون وكلت بشيء هو فعل خالقها لها، فإن قلت: إن النطفة وكلت بما ليس من فعلها فهذا يستحيل؛ لأن الحكيم لا يأمر من لا يأتمر ولا يأمر بشيء هو من فعله، وكيف يأمر بالحكمة وهو مجريها أم كيف يأمر البرية بالبري وهو باريها.

  وسألت عن الغيث كيف يمطر مرة ويسكن مرة ويجتمع ويفترق ويصب في مكان دون مكان وهو لا يعقل أمراً أُمِره.

  الجواب: أعلم يا أخي أن هبوط الغيث في مكان دون مكان حكمة من الله جل ثناؤه وبلاء لخلقه حسن بلاؤه فهو إن يسكن فذلك دليل على مُسكنه، وإن أصاب فذلك دليل على رحمة خالقه.

  وقلت: هل ذلك بتوكيل له من الله أم بفعل من الله يفعله.

  واعلم أن التوكيل من الله سبحانه لا يكون إلا لمن يعقل مثل المتعبدين الموكلين بالصلاة والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام.

  فأما هذه الجمادات التي ليس من طبعها الائتمار، فإنما معنى ائتمارها إجابتها لفعل فاعلها وإجابتها، فهي فعلها واستمرارها وعلوها وانحدارها، وإقبالها وإدبارها، واجتماعها واقترابها، وحركتها وسكونها، وتنقلها وتصرفها، وكل ذلك فعل غيرها بها إذ ليس من طبعها ما ذكرنا من تدبير مدبرها.

  وسألت يا أخي تولى الله رشدك أن أذكر لك طرفاً من التوحيد وجملاً منه مغنية، وأنا أذكر لك ذلك إن شاء الله.