كتاب مختصر في التوحيد
  اعلم يا أخي [أمتعنا] الله بطول حياتك، أن الدليل على الله سبحانه ما ظهر من عجائب صنعه، وأقرب الأدلة إلى الإنسان نفسه، فمن نظر إلى ما في نفسه من الأدلة كان له في ذلك كفاية كافية ودلالة واضحة شافية؛ لأنا نجد الإنسان نطفة من ماء مهين لا سمع فيه ولا بصر ولا شعر ولا شم، ثم نراه من بعد ذلك حياً سوياً سميعاً بصيراً فلما رأيناه كذلك لم يخل عندنا من أحد ثلاثة أوجه:
  [١] إما أن يكون خلق نفسه.
  [٢] وإما أن يكون له خالق غيره.
  [٣] وإما أن يكون ليس له خالق.
  فإن قلت: إنه خلق نفسه فهذا محال؛ لأنا نجد الإنسان في حال كماله عاجزًا عن الزيادة في نفسه والنقصان، فعلم إذ عجز في حال كماله وبلوغه وحياته عن الزيادة في نفسه، والتبديل لصورته أنه في حال الضعف والنقص والموت أعجز وأضعف.
  وإن قلت: كان بلا مكون فهذا محال؛ لأنك إذا قلت كان بلا مكون أوجبت أنه متروك، وإذا أوجبت أنه متروك ولم يخلقه خالق أوجبت عدمه، وإذا أوجبت عدمه نفيت وجوده، فأخبرني عن هذا الموجود المتروك ما الذي جعل وجوده أولى من عدمه، إذ المتروك ليس وجوده أولى من عدمه؛ إلا أن تقول إن وجوده اولى من عدمه؛ لأن له صانعاً، فترجع إلى الحق، إذ لا توجد حكمة إلا من حكيم، ولا بيان علم إلا من عليم، كما لا يوجد نظر إلا من ناظر، ولا أثر إلا من مؤثر، ولا سمع إلا من سامع، ولا بناء إلا من باني، ولا كتاب إلا من كاتب، ولا نظامه إلا من ناظم.