التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المائدة

صفحة 398 - الجزء 2

  


  والمعنى متقارب، وهذا التكليم في المهد وكهلاً نعمة، من حيث أن التكليم في المهد نعمة عليه بالمعجزة، وعلى والدته بالتبرئة، والدلالة على فضلها، وفي المهد من حيث أنه كان يكلم الناس بما أرسله الله به، وعلى والدته برسالة ابنها وسلامته حتى بلغ الكهولة، مع أن القدرة على تكليم الناس نعمة على كل حال.

  {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} {الْكِتَابَ} اسم يعم الكتب، كقوله تعالى: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} أو هو مصدر (كَتَب) أي علمتك الكلام، وعلمتك الكتاب الذي هو أحد اللسانين وبه تحصل العلوم المكتوبة، قال تعالى: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}⁣[العلق: ٤] و {وَالْحِكْمَةَ} المعلومات النافعة كأسباب الزهد في الدنيا.

  وقد حكي عنه # كثير من الحكم في كتاب (الاعتبار وسلوة العارفين) للإمام الموفق بالله #، و (التوراة) التي أنزلت على موسى و (الإنجيل) الذي أنزل على عيسى، والإنجيل لم ينسخ التوراة، بل هي معمول بها في دين عيسى #، إلا ما خصه دليل من كلام عيسى # أو من (الإنجيل) لقوله: {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}⁣[آل عمران: ٥٠].

  {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} أذن الله له بالتصوير، ولعل هذا يشير إلى أن الأصل التحريم في تصوير صورة الحيوان، وإنما أذن الله لعيسى # لما في ذلك من الحكمة الخاصة {فَتَنْفُخُ فِيهَا} أي من الصورة المفهومة من قوله: {كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}.

  والظاهر: أنه النفخ المطلق الذي هو إرسال النفس من الفم بقوة، ولو كان المراد نفخ الروح لقيل: فتنفخ فيها الروح؛ لأنه لا يعبر عن نفخ الروح