التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 414 - الجزء 2

  


  (٥) {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} بآيات الله ورسوله وكتابه، وما دلت عليه من توحيده وغيره بعد قيام الحجة عليهم {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} قال الراغب في (مفرداته): «النبأ: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل: نبأ، حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة» انتهى.

  وقوله: «ذو فائدة عظيمة» لعل الصواب: ذو فائدة مهمة؛ لقول امرئ القيس:

  تطاول ليلك بالإثمد ... وبات الخلي ولم ترقد

  وبات وباتت لَه ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد

  وذلك من نبأ جائني ... وخبرته عن بني الأسود

  وقوله عنترة:

  نبئت عمراً غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثة لنفس المنعم

  وغير ذلك.

  وقوله تعالى: {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} إن أريد به القرآن الذي كان المكذبون يستهزئون به، فأنباؤه ما فيه من الوعيد، وإتيانه إتيان المتوعَد به، كقوله تعالى: {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}⁣[الرعد: ٣١] أي ما وعد به، وإن أريد {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} عامة من الكتاب والرسول وخزنة جهنم والعذاب وغير ذلك، فالنبأ عنه: الإخبار عنه بأنه لم يكن مما يستهزئ به أهل العقول والنبا هذا هو الجزاء الناطق بلسان الحال أنهم كانوا في استهزائهم في غواية بعيدة، أو القول المقارن للعذاب ذوقوا العذاب بما كنتم تستهزئون أو نحو هذا القول مما يحصل به ندمهم على ما قدموا من التكذيب والإستهزاء، وهذا أظهر والإستهزاء استخفاف، والسخرية مثله.