التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 417 - الجزء 2

  وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا


  معنى (قضي الأمر) أي انتهى الإنذار والدعوة إلى الإيمان {ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ} لأن العذاب يكون قد حضر مع الملك فلا يمهلون.

  (٩) {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} قال الشرفي في (المصابيح): «وما أحسن جواب الإمام القاسم بن ابراهيم @ عن من سأله عن معنى هذه الآية؟ فإنه قال: كانوا يقولون: لولا أنزل عليه ملك فيكون معه شهيداً فيشهد له برسالته بما ينكرون، فقال سبحانه: {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} يقول تبارك وتعالى: ثم لا يتركون ساعة ولا يؤخرون، فما ينفعهم إذا أخذوا أيمانهم بعد رؤيتهم للعذاب وعيانهم، ثم قال سبحانه: {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا} ما أيقنوه إلا أن يروه رؤية ويعاينوه، وما كانوا ليروه عياناً إلا أن يجعله الله مثلهم إنساناً في الصورة والحلية وما للرجال من الهيئة لا في جميع حدود البشرية ولكنه في الرؤية والمنظر، فقال سبحانه: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} يقول سبحانه ولو فعلنا ذلك به فجعلناه رجلاً كما يعرفون، لزادهم لبساً إلى لبسهم، ولما أيقنوا أنه ملك في أنفسهم ولو نزلنا عليه الملك على حاله لما كان أحد منهم معايناً له ولا مدركاً ...» إلخ.

  والحاصل: أن الملك إن جاءهم على صفته الأصلية لم يروه، وإن كان رجلاً في صورته لم يؤمنوا أنه ملك، وكان الله تعالى قد لبس عليهم كونه ملكاً بجعله رجلاً، وهم لبسوا على أنفسهم ويلبسون عليها بطلب مَلك مع إنكارهم المعجزات، حتى خذلوا وبعدوا عن الإيمان، بسبب تعنتهم وتمردهم، والرين على قلوبهم.