التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة هود

صفحة 429 - الجزء 3

  


  وقوله تعالى: {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} قال الشرفي في (المصابيح): «قال الحسين بن القاسم #: معنى {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} أي يردّون صدورهم مدبرين بعد إقبالهم [كذا] وراجعين عن القرآن مستخفين منه لئلا يسمعوه» انتهى.

  فجعله من ثناه، بمعنى: صَرَفه، وقال الراغب: «ويقال لِلاوي الشيء: قد ثناه، نحو قوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}» انتهى المراد، وله معنيان: ثناه بمعنى: عطفه، وبمعنى ردّ بعضه إلى بعض، وهذا لا يتصور في الصدر، وثناه بمعنى: لواه وصرفه وحوله، وهو الراجح هنا.

  وقوله: {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} يحتمل: أن الضمير في {مِنْهُ} للقرآن فالمعنى فيه: يتحولون بصدورهم ووجوههم ليستخفوا أي لئلا يسمعوه، أو أن الضمير للرسول ÷ عند تلاوته للقرآن يثنون صدورهم وهم بين الناس ليستخفوا من الرسول حتى لا يعرفهم لئلا يعلم أن قد سمعوا القرآن وقامت عليهم الحجة به، والأقرب أن المعنى أنهم يكرهون سماع القرآن فلكراهتهم لَه يحولون أعاليهم عن وجهته ليتخبئوا منه كراهة لاستماعه كما يستغشون ثيابهم لهذا الغرض.

  وعلى هذا: فهم يحولون أعاليهم ويحنون ظهورهم، كما في (تفسير الإمام زيد بن علي @) وَحَنْيُ الظَّهْر يفهم من قوله: {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} وعلى هذا، فالضمير في {مِنْهُ} للقرآن أي ليتخبئوا من استماعه كراهة له.

  {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} {يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} كما فعل قوم نوح، وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} وعيد لهم بسبب {مَا يُسِرُّونَ} في تلك الحالة من كراهة القرآن والإصرار على الإعراض عنه، وعلى الكفر {وَمَا يُعْلِنُونَ} من ثني صدورهم واستغشاء ثيابهم.