التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة هود

صفحة 430 - الجزء 3

  وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ٦ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا


  {إِنَّهُ} تعالى {عَلِيمٌ} بما هو أخفى من ذلك ذات {الصُّدُورِ} التي لا تظهر منها إلى اللسان أو الوجه أوالجوارح بل لم تزل مخبوة في الصدور، ولعلها التي تخفى على صاحبها ولا ينتبه لها تحقيق لإحاطة علمه بكل ما يخفى وكل ما يعلن - والله أعلم.

  (٦) {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} فيها فوائد راجعة إلى ما مرَّ:

  فمنها: إفادتها أنه تعالى الرازق فهو المنعم الذي يستحق أن يعبدوه شكراً على نعمه وأن لا يعبدوا غيره من شركائهم؛ لأنهم لا يرزقونهم ولا يملكون لهم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق.

  ومنها: إفادتها سعة علمه بأحوال عباده فهو يعلم ما يحتاجون ويعلم إن دعوه لحاجة يعطيها أو لكشف مهمة، فهذه تناسب قوله تعالى: {أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ}.

  ومنها: مناسبتها لقوله تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فخلقه لكل دابة وتكفله برزقها دليل على سعة علمه وقدرته، فهو قادر على البعث بعد الموت لكل فرد، وكذلك قوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} فهو يعلم مستقر كل حيوان كبير أو صغير من الذرة إلى الفيل يحيط علمه بأحوالها أين تستقر من ظهر الأرض، أو بطنها، أو في الجبال، أو في الشجر، أو في أوكار الطيور، أو في الماء، كل دابة على حدة يعلم مستقرها ومستودعها.