التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة يوسف

صفحة 599 - الجزء 3

  اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ١١٠ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ


  عبرة لهم لو اعتبروا بهم لأنقذوا أنفسهم من عذاب الله {وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ} وهي الجنة {خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} لأنها مأواهم فهي خير من الدنيا وأغراضها وما شغل به المكذبون من متاعها {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} حيث لم تطلبوا ما هو خير لكم وتتقوا سبب عذابكم، بل أنهم يعقلون ولكنهم أهملوا عقولهم، وقوله تعالى: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} تبكيت لهم واحتجاج عليهم بالعقول.

  (١١٠) {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} قال الشرفي | في (المصابيح): «{حَتَّى} متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام، كأنه قيل: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً فتراخى نصرهم حتى إذا استيأس الرسل» انتهى المراد.

  قلت: الأولى أنها كقوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا}⁣[الأنعام: ٣٤] فالمعنى: وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً تحملوا الرسالة وصبروا عليها حتى إذا استيأسوا وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا.

  وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ} أي أيسوا، وكأن زيادة الصيغة بصيغة استفعَلُوا للدلالة على أنه لم يكن من شأنهم اليأس، وإنما أوقعه بهم سبَبٌ موجِبٌ لليأس فاستسلموا له، وذلك مثل نزول الوحي على الرسول منهم {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ}⁣[هود: ٣٦].

  وقوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} فلعله ظنهم أن قومهم قد صرحوا برميهم بالكذب على الله؛ لأنهم كانوا من قبل يستحيون من الجزم