التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة يوسف

صفحة 600 - الجزء 3

  


  بكذبهم، ويكتفون بمثل قولهم: {مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِثْلَنَا}⁣[هود: ٢٧] {مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ}⁣[هود: ٥٣] {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}⁣[الشعراء: ١٨٦] ونحو هذا فلما طالت المدة تجرؤوا على الجزم بكذب رسلهم.

  ألا ترى إلى قوله تعالى في رسوله نوح #: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ}⁣[المؤمنون: ٢٦] {فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ۝ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ} وقوله تعالى في رسوله هود #: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ}⁣[الشعراء: ١٣٩] وفي رسوله شعيب: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ}⁣[الشعراء: ١٨٩] وغير هذه الآيات.

  وقوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوْا} يؤخذ منه أنه يجيء نصرهم عند ذلك؛ لأن قومهم قد كذبوهم وإن لم يسمعوه إلا من بعضهم أو وإن لم يسمعوه أصلاً وقد سمعه الله.

  فإن قيل: فكيف بقوله تعالى حاكياً عن نوح # {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ..}⁣[الشعراء: ١١٧] إلى آخر الآيات؟

  قلت: يحمل على أنهم كذبوه قبل أن يسمع منهم التكذيب وجاءته عند ذلك مبادئُ النصر وأوائلُه، وأن دعاءه عليهم كان بعد ذلك حين سمع التكذيب - والله أعلم.

  وقال الشرفي في (المصابيح): «ومن رواية القاسم بن إبراهيم # عن ابن عباس ® في قوله ø: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ} قال: فهو استيئاسهم من إيمان قومهم، وظنُّهم فهو ظنهم لمن أعطاهم الرضى في العلانية أنه قد كذّبهم في السر وذلك لطول البلاء عليهم ولم يستيئس الرسل من نصر الله، ولم يظنوا أن الله قد أخلفهم ما وعدهم» انتهى.