التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النحل

صفحة 170 - الجزء 4

  يُشْرِكُونَ ٣ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ٤ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ٥ وَلَكُمْ


  {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} فهو الذي يختار للرسالة من الناس من يشاء وكلهم عباده يختار منهم من يشاء {أَنْ أَنْذِرُوا} تفسير للروح لأنه يتضمن الإنذار {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} أي فاتقوني أي اتقوا عذابي فسبحانه وتعالى عما يشركون، فالله يهدي للحق ويدعو إلى دار السلام ويرسل الرسل وينذر ويجزي كل نفس بما تسعى وشركاؤهم لا يكون منهم شيء.

  وقوله تعالى: {أَنْ أَنْذِرُوا} أي أَعلِموا وأخبروا وبلّغوا أيها الرسل الناسَ أنه لا إله إلا أنا فاتقون، وفيه وجوه: إما أنَّ الإنذار هنا بمعنى الإخبار، كما قال (صاحب الكشاف).

  وإما أنه إنذار حقيقي ليحذروا الشرك، ويعلموا أن الله يعذبهم عليه، ولا ينفعهم شركاؤهم بشفاعة ولا غيرها، فقوله: {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} يبيِّن للمشركين أنهم على خطر، وإما أنه إنذار مضمن للأخبار؛ لأنه خبر بأنه لا إله إلا الله ليتقوه أي ليتقوا عذابه كما أمر، ونظيره قوله تعالى: {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} واتقاؤه: بعبادته التي هي طاعته فيما أمر وفيما نهى عنه، وإخلاص العبادة له وترك الشرك، وذلك المنجي من عذابه، فهو إنذار من حيث إفادته: أنه يعذبهم إن لم يتقوه.

  (٣) {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} بالخلق بالحكمة فليس عبثاً ولا لعباً، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ۝ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ ..} الآية [الدخان: ٣٨ - ٣٩] وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}⁣[ص: ٢٧].