التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 270 - الجزء 4

  عُلُوًّا كَبِيرًا ٤ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ٥ ثُمَّ رَدَدْنَا


  وجعل {أَلَّا تَتَّخِذُوا} مفسرة للكتاب؛ لأن حاصله الأمر بعبادتهم لله وحده وما هو راجع إلى الدعوة هذه من المواعظ والوعد والوعيد والأحكام في المعاملات والعبادات وغير ذلك؛ لأن اتباعها في ذلك كله عبادة، كقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ..} الآية [البينة: ٦].

  (٣) {ذُرِّيَّةَ} مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} {ذُرِّيَّةَ} منصوب على الإختصاص وهذا إما من تمام تفسير الكتاب فيكون هذا مذكوراً في التوراة، وإما راجعاً إلى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} وقد وعد الله تعالى نوحاً بالبركات عليه وعلى أمم ممن معه؛ فلعل ذكرهم تنبيه على أن الله أنزل البركات على بني إسرائيل كما وعد بذلك نوحاً - والله أعلم.

  وقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} يشير إلى أن شكره كان سبباً لحمله وحمل من آمن معه في السفينة لينجيهم من الغرق وإن كان سبب حملهم معه إيمانهم فلا تَنافي إذا كان سببُ إيمانهم رسالةَ نوح إليهم مع الآية من ربه، وسبب رسالته كونُه عبداً شكوراً، كقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}⁣[الأنعام: ٥٣] وبعد هذه الآية بيان اختلاف حال بني إسرائيل في الصلاح والفساد وبيان أن الجزاء يتبع العمل.

  (٤) {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أنهينا إليهم وبلغناهم {فِي الْكِتَابِ} في التوراة {لَتُفْسِدُنَّ} أي بلغناهم هذا الخبر عما سيكون من الفساد والطغيان، والفساد في الأرض الفساد المنتشر في الأرض {وَلَتَعْلُنَّ} تتكبرُنَّ وتتجبرُنَّ {عُلُوًّا كَبِيرًا} تكبراً وتجبراً عظيماً.