التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 274 - الجزء 4

  وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ٨ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ٩ وَأَنَّ


  {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} أي الأقصى {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ولعل الضمير لعبادٍ لله سلطهم من غير تعيين العباد الأولين، كما قدمتُ عند قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ}⁣[الأنعام: ٦٠] وهذا هو الراجح، ولا نعلم أحداً قال إن المسلطين في المرة الثانية هم المسلطون في المرة الأولى. وقوله تعالى: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} قال في (تفسير الإمام زيد بن علي @): «معناه: ليدمروا» انتهى.

  قلت: ويستعمل في تدمير الناس أي إهلاكهم، قال تعالى: {وَكُلاَّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاَّ تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا}⁣[الفرقان: ٣٩] وكذلك التدمير، والراجح في معنى {مَا عَلَوْا} أنه ما داموا عالين عليكم لا يقتصر بأسهم على يوم دخولهم أرضَكم واستيلائهم عليها فهي مصيبة طويلة الأمد على شدتها نعوذ بالله.

  (٨) {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} فيفرج عنكم بعد الشدة ويرفع عنكم دولة المسلَّطين، وهذا إطماع لهم ليرجعوا إلى الله ويتوبوا إليه ليفرج عنهم كربهم وقام هذا مقام الوعد الصريح، بدليل قوله تعالى {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} ولا يكون العود إلا وقد ذهب العذاب الأول وعادوا إلى الطغيان.

  تنبيه: هذا الوعيد لبني إسرائيل غير خاص لليهود لأن بني إسرائيل انقسموا في وقت عيسى # فآمنت به طائفة وكفرت طائفة وصاروا نصارى ويهوداً، والآيات في بني إسرائيل لم تخص اليهود منهم فإذا عادوا للفساد في الأرض والعلو الكبير أو كان ذلك قد وقع فلا بد من تحقق ما وعد الله به من بَعْث عبادٍ عليهم أولي بأس شديد.