التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الإسراء

صفحة 275 - الجزء 4

  


  وكذلك لا يؤمن أن يسلط الله على الإسلاميين إذا أفسدوا وعلوا، لأن الله تعالى قال: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}⁣[الأحزاب: ٦٢] وقد سلط الله في المرة الأولى على الإسلاميين التتار ولا يؤمن أن يسلط الله عليهم مرة ثانية والعياذ بالله، ودفع ذلك إنما هو بتمسكهم بالدين وتحكيمه في كل شيء وترك الفساد.

  وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} أي جعلناها لهم سجناً يحصرهم ويحبسهم أبداً وهذا لئلا يتوهموا أن العذاب العاجل بدل من العذاب الآجل بل لا بد للكافرين لنعمة الله من جهنم.

  (٩) {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} يهدي للسبيل التي هي أقوم، وهي سبيل الله التي هي أقوم السبل، كما قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}⁣[الأنعام: ١٥٣] وأقوَمُ تفضيلٌ يدُلُّ على أنه لو كان غيره قيما لكان ما يهدي إليه القرآن أقوم، وهذا يتصور في المنسوخ فالناسخ في وقته أقوم، فأما قوانين المخلوقين المخالفة للقرآن فهي غير قيمة أو أنها لو كانت قيمة باعتبار ففيها عوج أعظم يوجب طرحها فتعتبر غير قيمة، والتفضيل عليها ناظر إلى جهة المصلحة المرجوحة.

  وقوله تعالى: {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} وهم الذين صدق إيمانهم فبعثهم على التقوى وامتثال أمر الله فكانت أعمالهم صالحة، وقوله: {الصَّالِحَاتِ} إذا حمل على العموم فهو عموم الواجبات عليهم، وقوله تعالى: {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} أي ثواب الآخرة كما هو مفصل في غير هذه الآية.