سورة الفرقان
  
  وقوله تعالى: أي لم يسقطوا كما يسقط المنافقون {صُمًّا وَعُمْيَانًا} ولعله ذكر الخرور؛ لأن عباد الرحمن {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}[مريم: ٥٨] فهم لم يخروا عليها {صُمًّا} عن استماعها {وَعُمْيَانًا} عن النظر ببصائرهم، ولا يجب أن يكون المنافقون يخرون صماً وعمياناً، بل يكونون عند سماع الآيات صماً وعمياناً.
  فأما الإكباب على الوجوه فلم يفسر به (الخرور) (صاحبُ الصحاح)، ولا الراغب، ولا في (لسان العرب) ومثّل فيه للآية هذه بقول الشاعر:
  بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... ولم تكثر القتلى بها حين سُلَّتِ
  أي تشبيه النفي في الآية بالنفي في البيت، والأولى: أن الذي في هذه الآية تعريض بالمنافقين ومرضى القلوب.
  وأما قول الشرفي |: «والخرور: هو السقوط على الوجه للسجود» فلعله خرّجه من كلام (الكشاف) حيث فسره بالإكباب، وهذا عندي غير صحيح، وإنما يفسَّر الخرور للسجود بأنه الهبوط للسجود ليس سقوطاً حقيقياً، فأما المعنى الحقيقي: فهو السقوط من غير قيد، إلا أن الراغب قيده بالسقوط مع صوت الساقط، قال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ}[الحج: ٣١] وقال تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ}[النحل: ٢٦] ولعل (صاحب الكشاف) لم يقصد تفسير الخرور من حيث اللغة، إنما أراد أن هذا الخرور لا يكون سقوطاً حقيقياً، وإنما هو هبوط لغرض الإكباب على الوجوه.
  (٧٤) {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} الأقرب: أنهم أرادوا اجعل لنا {مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا} من يكون لنا في الآخرة {قُرَّةَ أَعْيُنٍ}؛ لأن قولهم: {وَذُرِّيَّاتِنَا}