التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الشعراء

صفحة 300 - الجزء 5

  


  وقوله: {يُلْقُونَ} أي الشياطين حين يتنزلون على الأفاك الأثيم {يُلْقُونَ السَّمْعَ} وهو ما سمعوه من الملائكة وهم لا يسمعون شيئاً {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}⁣[الصافات: ١٠] وهذه الخطفة نادرة تكون فيها فتنة للكاهن الذي يلقونها إليه ولمن يسأله لأنها أساس الكهانة لأنهم يجعلونها سبباً لتصديق الكهان، وسؤالهم لأنه قد جرّب فيها صدقهم فيقبلون بها كذبهم في غيرها، وكذب شياطينهم {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} قال الشرفي في (المصابيح): «والضمير للشياطين» انتهى.

  قلت: هو صحيح لأنه راجع إلى قوله: {يُلْقُونَ السَّمْعَ} فهو الظاهر لئلاً تختلف الضمائر في سياق واحد بدون قرينة، أي وأكثر الشياطين كاذبون فيما يلقونه إلى {كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} هذا والسياق يقتضي جعل قوله تعالى: {كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} خاص هنا بالكهان الذين يخبرون ببعض ما سيكون فيكون بعضه صدقاً والقرينة السياق والحال، أي الجملة الحالية وهو قوله: {يُلْقُونَ السَّمْعَ} فلا ينبغي أن يذكر معهم من لا تلقي إليه الشياطين السمع لأن الحال قيد للعامل، وهو {تَنَزَّلُ} وصف للصاحب وهو ضمير الشياطين.

  فإن قيل: فلم جعلت الجملة حالية؟

  قلنا: لأن الضمير معرفة والجمل بعد المعارف أحوال، وفي مثل هذا يكون الحال هو الظاهر إذا قلت: جاءني زيد يضحك، ولو كانت الجملة صفة للشياطين لكان المعنى واحداً، لأن المعنى يكون كما لو قيل تنزل الشياطين الذين يلقون السمع.

  فإن قيل: فلم لم تجعل الجملة مستأنفة، كأنه قيل: ما تنزل به عليهم، فقال: {يُلْقُونَ السَّمْعَ} وهو كذلك يقتضي تخصيص الكلام بالكهان كما لو كان حالاً أو صفة لأنها تصير الجملة {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} خاصة بالكهان