التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الشعراء

صفحة 301 - الجزء 5

  


  لأنهم الذين تنزل إليهم الشياطين بالخطفة التي يسمعونها من السماء، والظاهر: أنها حالية أو صفة على قول لأن الكلام يستقيم معها أحسن لأن السياق في الرد على الكفار بقول الله تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} أما جعلها مستأنفة فهو بعيد، لأنها لا تكون قيداً بل بياناً بدون تقييد وبذلك يكون البيان أخص من المبيّن - بفتح الياء - لأن {كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} يكون عاماً للكهنة وغيرهم وقوله: {يُلْقُونَ} خاصاً بهم، فصح أن {يُلْقُونَ} قيد للجملة قبله، وبالله التوفيق.

  (٢٢٤) {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فحاشا رسول الله ÷ أن يكون كما قال الكافرون هو شاعر وهو إنما يدعو أهل مكة ومن حولها وسائر الناس إلى التوحيد لله تعالى، وعبادته وحده، واجتناب الشرك وإلى ترك تحريم ما أحل الله وأنعم به على عباده من الأنعام، وإلى ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإلى طاعة الله تعالى، والحذر من الشيطان وغير ذلك، فكيف يدعو الناس كلهم إلى ذلك ويريد أن يطيعوه ويتبعوه في دينه، ثم لا يجد حجة لصدقه إلا الشعر، وهو يعرف أن الشعر لا يتبعه أهل العقول الراجحة إنما يتبعه الغاوون الذين ينقادون للتغرير ولا يتثبتون في أمورهم هذا في شعر الجاهلية الذي هو المعروف في أول دعوة الرسول ÷ حين كان بمكة، وهو المتبادر في وصفهم له ÷ بأنه شاعر، وكان الشعر عمدته التخييل وتصوير الكذب في صورة الصدق والباطل في صورة الحق، وتحريك الفتن بواسطة التحريض، وتحريك الغضب بما لا يوجب أو بواسطة المدح الذي أكثره كذب ومغالاة والهجاء كذلك وإثارة غير الغضب كالحزن والسرور والخوف والأمن مع أن رسول الله ÷ يعرف الشعر في ذلك الزمان والشعراء