التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النمل

صفحة 309 - الجزء 5

  


  يبعثه يقينه بالآخرة وما فيها من الجنة للمتقين والنار للمجرمين، يبعثه يقينه بذلك على إقامة الصلاة سواء كانت الإقامة بمعنى إحيائها مثل: قامت السوق، أم بمعنى التسوية بجعلها كاملة، فكأنها بذلك سليمة من الاعوجاج، فمرجع المعنيين واحد وهو أنها كاملة في أوقاتها.

  قال الشرفي في (المصابيح): «قال في (البرهان): في إقامتها وجهان: أحدهما: إقامة شرائطها واستيفاء فرائضها وسننها، والثاني: المحافظة على مواقيتها» انتهى.

  قلت: هما لا بد أن يجتمعا في المؤمن يحافظ على صلاته في أوقاتها ويتمها بشروطها وفروضها، ومرجع المحافظة على أوقاتها إلى إحيائها واجتناب إماتتها؛ فلذلك قلتُ: مرجع المعنيين واحد؛ لأن من ترك الصلاة في وقتها لا يوصف بإقامتها وإن قضاها؛ لأن القضاء غير الأداء فقد فوتها بتركها في وقتها وهو أبلغ ممن جعلها عوجاء في وقتها؛ ولذلك فتسويتها تستلزم فعلها في وقتها، هذا والراجح في إقامتها هو إحياؤها من قامت السوق؛ لأن الإقامة بالمعنى الثاني إنما هي حقيقة في الأعيان فيما كان أعوج فسوّي بعد العِوَج أو أقيم بعد السقوط أو القعود، مثل: {يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ}⁣[الكهف: ٧٧].

  فأما ما جعل قيماً من أول تحصيله فلا يقال أقامه، إنما يقال: سوّاه، فكذلك في المجاز، والصلاة لا توجد عوجاء وتصير بعد ذلك قابلة للتعديل والتسوية بل تذهب إلى غير رجعة، فظهر أن إقامة الصلاة هي إحياؤها بجعلها كاملة بشروطها وفروضها في أوقاتها كما أمر الله.

  (٤ - ٥) {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} الإيمان بالآخرة