التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة النمل

صفحة 310 - الجزء 5

  


  يستدعي الإعداد لها؛ فلذلك لا يزال المؤمن خائفاً وإن خادعته الغفلة والأمل في الحياة، فهو يدافع الغفلة ويدافع الأمل ويفيق تارة ويغفل أخرى لا يستمر على الغفلة؛ لأن الخوف في قلبه يطالبه بالإنتباه والإستعداد.

  وعلى هذا: ينبغي لمن لا يحذر الآخرة أن يعلم أنه غير مؤمن بها وإن أقر بها ومن البعيد أن يدعي الإيمان بها، فما أسوأ حال كثير من الناس قد رفضوا التمسك بالدين وتفرغوا للدنيا لا غير وإن قاموا ببعض أعمال الدين فهو فرار من أن يقول الناس فيهم وجري على العادة؛ ولذا لا يقبلون من الدين شيئاً غير ما اعتادوه وإن دعاهم إليه القرآن، وعلى هذا فهم داخلون في هذه الآية الكريمة: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} أي فهم يسيرون في تصرفهم سير الأعمى الذي لا يهتدي للطريق ولا يقوده قائد؛ لأن بصائرهم قد عميت نعوذ بالله، وهذا معنى {يَعْمَهُونَ} وتزيين أعمالهم أنها قد صارت كما يحبون ويهوون في حال أن غرضهم هو ما تهواه أنفسهم، فالدنيا تشغلهم بأعمالها ومطالبها لا يتفرغون للدين أصلاً في حال أن ذلك هو الذي تهواه أنفسهم قد تزين لهم؛ لأنه لا مطلب لهم في غيره وكيف يطلبون الثواب وهم غير مؤمنين بالآخرة أو يعملون للنجاة من النار وهم غير مؤمنين بالآخرة بل هم عنها غافلون؛ لأن تصديقهم بها لم يبلغ درجة الإيمان فلا مطلب لهم إلا الدنيا، هذا فأما نسبة التزيين إلى الله فهو من المتشابه وهو حق وصدق ولكن ليس بمعنى تزيين الباطل أنه من الله تعالى من حيث هو باطل، بل المزين له بهذا المعنى هو الشيطان {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} {لاُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ}⁣[الحجر: ٣٩].

  {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ} سوءه شدَّته وخزيه، نعوذ بالله، وهذه الكناية عن العذاب السيء أجمل من قول عنترة: