سورة النمل
  
  {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} لا تُسمِعهم إذا دعوتَهم إلى الهدى؛ لأنهم صم وقد ولوا عنك لا يريدون سمعك، فاجتمع فيهم ثلاثة موانع: الصمم، والإدبار؛ لأن الأصم إذا واجه من يكلمه يفهم كلامه بحركة شفتيه، فربما سمعه لانضمام الرؤية إلى السمع، فأما المدبر فقد فاتته هذه الوسيلة، والثالث: أنه لا يريد أن يسمعه؛ لأنه في هذه الحالة يعرض عن استماعه، فيكون أبعد عن سمعه، وقد شبه المكذبون بأهل هذه الموانع، وفائدة هذا أن ييأس الرسول ÷ منهم فلا يتعب نفسه في محاولة إيمانهم بعد أن قد بلغهم وقامت عليهم الحجة ولم يبقَ له سبيل إلى جعلهم مؤمنين باختيارهم.
  (٨١) {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ} أي لا تجعلهم مهتدين للطريق في حال ضلالتهم عنها، وهؤلاء المكذبون مثلهم، لأن بصائرهم قد عميت فضلوا ولن تهديهم {عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} لأن بصائرهم قد عميت عن الهدى.
  وقوله تعالى: {إِنْ تُسْمِعُ} أي لا تسمع {إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا} حين يسمعها؛ لأن نيته قبول الحق، ليس متكبراً ولا حاسداً ولا متعصباً، فمتى سمع آيات الله آمن بها؛ لأنه ما زال على فطرة سليمة {فَهُمْ مُسْلِمُونَ} وجوههم وأنفسهم لله لا يشركون به شيئاً؛ لأنهم قد آمنوا بآيات الله، فبعثهم الإيمان إلى الإسلام، ولا يدل هذا على أن الإسلام يتوقف على الإيمان؛ لأن إسلام الوجه والخروج من الشرك قد يكون لسبب سابق قبل الإيمان كما يكون بسبب الإيمان {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: ١٤].