تقديم
  إن هذه النفحات القدسية التي عطرت صفحات هذا المؤلف الجليل، وهذه الدرر التي تتلألأ بأنوار الهداية ليست وليدة لحظة جادت بها قريحته، أو مجرد فكرة آنية خطتها يده كما هو شأن معظم المفسرين، بل إنها مفاهيم راسخة تجذرت في داخله، وعلوم ربانية مكنونة بين جوانحه، وهي العلوم التي يمنحها الله من اختصه لذلك وارتضاه ممن اختارهم لوراثة كتابه، وتجلت لهم أسراره، فسبروا أغواره، وأشرقت في قلوبهم أنواره، فبدت على سلوكهم آثاره، مما يجعل المتصفح لهذا المؤلف الكريم، المتأمل لتلك اللفتات اللطيفة، والرؤى الثاقبة العجيبة يلمس تلك المسحة القدسية ويلحظ تلك المنحة الربانية، والهداية الإلهية التي خص بها ورثة الكتاب من السابقين بالخيرات، المُعدّين لبيان غامض الآيات.
  فمرحى مرحى لطلاب علوم القرآن، وبشرى لعشاق المعرفة بقناعة واطمئنان، وهنيئاً لكل المتعطشين لهدي القرآن الكريم، بهذا المنهل الصافي، والبلسم الشافي والبيان الوافي، وسطع بأنواره من بين ركام الآلام والمشاكل والمحن، ولله الحمد والمنة الذي مَنَّ على مؤلفه بالرعاية والألطاف والسلامة والإعانة حتى تحقق الحلم، ورأى النور هذا المنجز العظيم، رغم قسوة الظروف، وتقلب الأيام، واضطراب الوضع، خصوصاً في السنوات الأخيرة، فتمت به النعمة على كل المؤمنين، وقامت به الحجة على جميع المعاندين، فهو كتاب ميسّر واضح البينات، قوي الدلالات غاية في الإنصاف بعيد عن التعصب، خال عن الغلو والتعسف، سهل العبارة دون تعقيد أو تكلف.
  يقصد إلى بيان الحقيقة بأقرب طريقة، ويطرح ما وفقه الله لفهمه مهما بدا مجانباً لما قاله غيره، بأسلوب بعيد عن أساليب المتعاظمين الذين يسعون للشهرة بتكلف الخلاف، والإعتساف في الأدلة وعدم الإنصاف،