التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة العنكبوت

صفحة 432 - الجزء 5

  


  ومن فوائد التأكيد: أن يهتم المؤمن ويقوى عزمه على الثبات متى وقعت الفتنة، ويحذر أسباب الافتتان، ويدعو الله أن ينجيه من مضلات الفتن. ومن أسباب الافتتان: المعاصي، والميل إلى الدنيا، ومن أسباب الثبات: التقوى، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والصدقة، وغير ذلك.

  وقوله تعالى: {فَلَيَعْلَمَنَّ} بمعنى فليفتننهم حتى يثبت الصادقون، ويفتتن الكاذبون من قبل الفتنة أو من حين جاءت، فيعلم الله من ثبت، ومن افتتن، فيعلم هذا ثابتاً، وهذا مفتوناً، وهو سبحانه علام الغيوب، لكن الإخبار بعلمه هذا بالثابت والمفتون دلالة على أنه يجزي كلاًّ منهما بما يستحق.

  قال الشرفي في (المصابيح): «قال المرتضى #: سألت أبي الهادي إلى الحق ~ عن الفتنة؟

  فقال: هي أربعة وجوه، فوجه منها: العذاب، وهو كما قال تعالى في حديث ابن قيس: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}⁣[التوبة: ٤٩] يريد في العذاب وقعوا، ومن ذلك قوله تعالى في أهل الأخدود: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}⁣[البروج: ١٠] يريد عذبوهم بالنار في الأخدود. والوجه الثاني هو: الإعجاب بالشيء والمحبة له، تقول العرب: فلان مفتتن بصاحبه مفتتن بزوجه [في نسخة (المصابيح): بزوجته، ولعل الصواب: بزوجه] مفتتن بماله، محب له معجب به.

  والوجه الثالث فهو: الحرب، تقول العرب: بين بني فلان فتنة شديدة تريد حرباً شديداً، والوجه الرابع فهو: على معنى المحنة، وذلك قوله تعالى: {الم ۝ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ..} يقول: امتحنا الذين من قبلهم» انتهى المراد.